Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
Publicité
Archives
Derniers commentaires
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
4 juin 2010

أسطول الحرية أسطول العالمية العربية والنهوض

أسطول الحرية أسطول العالمية العربية والنهوض


قلّ وندر، إن لم نقل لم يحصل أبدا، أن تشكّل حرصٌ على كسر حصار اقتصادي وسياسي مثل الحرص الذي تبلور في حدث وصول أسطول الحرية في 31 – 5 - 2010 رغم المجزرة الصهيونية التي ارتبطت به. وإن دلّ هذا على شيء، من حيثُ مدى تجانس فكر النهوض العربي مع كبريات قضايا الأمة، فيدلّ أنّ هذا الفكر قد سجل تقاطعا تاريخيا، وبآليات كونية هذه المرّة، مع أعز الأهداف التي كانت بالأمس مقتصرة على طابعها القومي: تحرير فلسطين.

ويتشكّل هذا التقاطع في اتجاهين اثنين، أوّلاهما التمهيد للحدث وثانيهما التغذي منه فيما بعد. فقد كان حدث وصول أسطول الحرية إلى المياه الدولية القريبة من غزة تلاقيا، ذي نزعة دولية، بين الفكرة والحدث، بين النظري والعملي، بين الرغبة والتحقيق. وهذا التلاقي قد يكون إعلانا للَحظة الإبحار الحضاري العربي بكساء كوني هذه المرة؛ الكساء النهائي. لنرَ كيف ذلك.

في هذا السياق من الملاحظ أنّ فكرة تشكيل أسطول الإغاثة من أساسها، وشحن الأسطول بالعباد والعتاد ثمّ تشييعه إلى برّ الأمان (ولا يأتي أمانٌ بغير تضحية في سبيل الرهان)، قد انبثقت من إرادة كونية. ومن الملاحظ أيضا أنه كان هنالك تلاقٍ كأروع ما يكون التلاقي بين هذه الإرادة وبين ما سبق من تنظير عربي لمستقبل العروبة والإسلام . لذا أعتبر حدث أسطول الحرية نقطة تحوّل كبرى و لا رجعة فيها في تاريخ الفكر والسياسة العربيتين المعاصرتين.

فبعد أن أبحر الفكر العربي من برّ التشاؤم المنجرّ عن نكسة 1967، إلى برّ التشاؤل، الذي أفرزه شبه الانتصار العربي في سنة 1973، ها هو اليوم يسرج صهوة الإبحار صَوب َبرّ التفاؤل.

ما من شك في أنّ هذه اللبنة في بناء تاريخ الأمة المعاصر كانت غير منتظرة من لدُن جمهور العرب والمسلمين العريض، ولا حتى من لدُن عامة المثقفين. إلاّ أنه يبدو أنّ "تفاؤل القلب" (العبارة لتشومسكي) قد بدأ يُؤتي أُكله ليُحوّل "تشاؤم العقل" (بالمثل) إلى تفاؤل. ولكن ليس هنالك تفاؤل من دون عمل وبناء.

بخصوص العمل والبناء فلا بدّ من التنويه بجهد أقطاب الفكر العربي الإسلامي الحديث. فلن ينسى طالبُ الفكر النبضات التي تُخلفها في نفسه الرسوم الهندسية لفكر مالك بن نبي أو لمسات جودت سعيد أو نقش حسن حنفي أو همسات عبد الكريم سروش أو نقرات برهان غليون وإبداعات غيرهم. وما دمنا ندشن حقبة التفاؤل المنهجي والمدروس كم أودّ أن يطمئنّ المثقفون الذين مازالت تسكنهم الريبة، وبالخصوص الشباب المتطلع إلى الإسهام في فكر عربي مستحدث يكون مؤدّيا إلى الإنجاز العملي، أن لا شيء يكبُر أمام الإرادة.

ومن المجالات الحساسة إلى أبعد الحدود والتي لم تطلها بعدُ اليدُ الحنون للإرادة، إرادة الاستنارة والتنوير، النهوض والاستنهاض، أذكر مجال حُسن التصرّف في الفكر العربي الموجود، المتاح للشباب، في الكتب وفي المواقع الالكترونية. وفي هذا الصدد ليس الشباب مطالب بالإطلاع على كل ما كُتب ويُكتَب. فمهما توفر الوقت لديهم لن يكونوا قادرين على إرضاء نهمهم لمعرفة كل شيء. لكن في نفس الوقت لا يجب أن يبحثوا عن الأعذار والذرائع لكي يتهربوا من الإطلاع على ما تيسّر من الفكر، لا باسم الزخم المنشور في المجلدات والأسفار، ولا بعنوان عدم توفر الرغبة في المطالعة، ولا بدعوى ضحالة محتوى الكتب وهُزال جودته. فكل هذه حججٌ على أمر واحد: الامتناع عن التفكير.

إنّ التفكير شأن حيوي مثل الأكل والشرب والاسترخاء والفسحة، إذن فهو يومي. فليس من المعقول أن يأذن الشاب لنفسه بعطلة عن التفكير تبدأ، مثلا، بُعيد أحداث غزة الأليمة (2009 – 2010)، لتنتهي بوخزة (إيجابية) مثل وخزة أحداث أسطول الإغاثة في هذه الأيام. ومن المناهج التي جربتُها في هذا الباب، باب المثابرة على التفكير من أجل استرداد المرء لإنسانية أو لمجرّد رسكلتها، أنصح الشباب بالتدريب على المنهج التأليفي.

وما هو المنهج التأليفي في التفكير؟ إنه بالنظر إلى وضعية الشباب اليوم النتيجة التي ستحصل إثر القطع النهائي مع إهدار الوقت والجهد في ما سأسميه التفكير المسَطّح والمنمذَج، والذي هو من فقه التفاهة والتخلف. والغريب في الأمر أنّ هذا التفكير المغالي بتفسير العمليات التقنية ووصف التكنولوجيا يراهن على التظاهر بالعلم حتى يصبح "علموية"؛ كأن يقضي الشاب ساعات في المراهنة غير المجدية على معرفة أيهما أفضل يا ترى، حاسب من النوع "كذا" أو من نوع "كذا"، أم على معرفة عمّا إذا كان الموديل "كذا" من السيارات أقوى وأسرع وأغلى سعرا من الموديل "كذا". والأغرب من ذلك أنّه  تفكير يوحي للمرء بأنه نمط  علمي وعملي، لكنه في الحقيقة يقود صاحبه وكذلك مُخاطب صاحبِه إلى الخلط بينه وبين التفكير العملي الذي نصبو إليه، والذي ينتهي بالمرء إلى الإنجاز العملي.

كما أنّ المراهنة على التفكير التأليفي تتطلب قطع الشاب المتدرّب مع الفكر المغالي في ما هو نظري صِرف وبالتالي ما لا يغني من شهوة الفعل. فكل نقاش حول التقنيات أو الأساليب العلمية والعملية لا بدّ له من الارتكاز على مرجعية في الفكر الميداني والعلمي. ولن تتبلور هذه المرجعية إلاّ بتوخي التأليف والتقليص من التحليل، والحفاظ فقط على ما ينفع من التحليل لخدمة التأليف.

إنّ الفكر التأليفي هو الذي من شأنه أن يردّ الاعتبار للوجود العربي لدى الشباب. وهو الذي سيمكنه من تملّك الكثير من الفكر العربي في أقرب الآجال وفي أقصر الأوقات. وأعتقد أنّ شيئا من هذا القبيل قد يكون حصل، في منهجية الفكر العربي، قُبيل إرساء سفن الإغاثة في المياه المجاورة لفلسطين. بل هو الذي قد يكون سمح للحركة أن تأخذ طريقها إلى التجسيم في الواقع، ولو كان ذلك بدفع ثمن غالٍ، أرواح شهداء العالم.

وليس من الصدفة أن يكون الشهداء عالميين هذه المرة، بخصوص قضية العرب والمسلمين الأولى. فالضحايا العالميين الذين سقطوا تحت رصاص العسكري الإقليمي الضعيف دليل على أنّ الفكر العربي الإسلامي أخذ أبعادا عالمية هو الآخر. فلأول مرة في الكفاح الحضاري للأمة العربية تكون الاستجابة إلى نداء الإغاثة، لا فقط من طرف الزاد الثقافي الإسلامي الرائع، وإنما بالإضافة إليه، من طرف الفكر الإنساني الكوني ورموز الحرية من كل مكان.

وليس من قبيل الصدفة، في هذا الصدد، وعلى ذكر كونية الفكر العربي الجديد، أن يُقابَل المثقف العالمي رقم واحد، وأشهر مفكري أمريكا، نعوم تشومسكي المكافح العالمي، قبل أسبوعين فقط من أحداث أسطول الإغاثة، بالمنع من الدخول إلى فلسطين لإلقاء محاضرة في جامعة بير زيت.

ثمّ إنها أول مرة في تاريخ الكفاح العربي المشترك يساندُ الأمة رموزُ الحرية من العالم كافة، فتُكلّلَ بادرةٌ من الصنف السياسي المباشر بالنجاح. ولذا آملُ أن يكون هذا التتويج الذي لاقته عملية أسطول الحرية، بدءًا من قرار الإرسال ومرورا بالشحن وانتهاءً إلى الإرساء على مقربة من فلسطين، والنجاح الذي أحرزت عليه المهمة، رمزيا ومعنويا و حقوقيا وإنسانيا، سابقة ًمهمّةً وطالعَ خير في مسار البحث عن المنهاج المناسب للأمّة والذي نريده مُكرّسا لتناغم القول والعمل كلاهما مع الآخر.
وقد أثبتت هذه التجربة القريبة أن لن يكون للعرب منهاجا مُجديا إلاّ لمّا يفلح العقل العربي، مثلما أفلح هذه المرّة، في جلب أساطيل الحرية إليه مع تعهده بالمثابرة في توليد فكر عربي إسلامي كوني.


محمد الحمّار

Publicité
Publicité
Commentaires
Publicité