Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
Publicité
Archives
Derniers commentaires
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
8 juillet 2009

خبز أمّي خير من فكر ألف مثقّف أمّي

خبز أمّي خير من فكر ألف مثقّف أمّي

كانت والدتي رحمها الله تندهش منّي لمّا كنت أشمئزّ (إلى حدّ بلغي سن الـ20 تقريبا) من رؤية طبق الكسكسي*، قائلا بفخر و اعتزاز :" ألا تعلمين يا أمّاه أنّي لا أشتهي تناول الكسكسي؟".فكان جوابها الفوري في كل مرة:"أمتثقّف أنت؟ ماهي هذه الثقافة التي تمنعك من تناول هذه الأكلة الذيذة؟".
وأذكر أنّ ردة فعلي كانت تتّسم بنوع من الإطناب في استعراض عضلاتي المدرسية، وكأنّي كنت في تسابق مع والدتي؛ هي تريد إثبات أنّ الكسكسي من الثقافة بينما أنا كنت أسعى إلى إثبات أنّ الشّأن الثقافي لا يبالي بالـ"الكساكس و المقارن" بل متعال عن "ما ابتدعه أجدادنا الجاهلون" (هكذا).
في الحقيقة آلت الكلمة الأخيرة لوالدتي، بما أنّي ما أن بلغت الـ23 من عمري عائدا من إقامة سنة كاملة في بلد يمتاز بأجمل طبيعة في العالم ولكن أيضا بأسوأ أنواع الأكل، أعلنت تثقّفي باعتناقي للكسكسي أفضل وصفة يعلّقها تونسيّ على صدره.
أمّا الذي ذكّرني بحادثة الكسكسي فلا يمتّ لتقاليد الأكل بصلة.بل هو من أفضل ما تذوّقت من شهيّ الأطباق الفكرية : منذ أسبوع بعثت بريدا إلى أحد الزملاء الذين يهمني التعامل معهم. وبمدّه برابط الكتروني يحيله على مفكّر إيراني يدعى عبد الكريم سروش أردت أن يتعرّف عن من قد اكتشفته مؤخرا فأعجبني. ومن طبعي أن أشرّك من أعرف من ناشطي المجال الثقافي في مايستهواني من الفكر العالمي، هكذا وبطرق مختلفة، عساني ألقى من يشاركني بعض الشواغل الفكرية أو ينصحني أويتعلّم معي. وليست لي حسابات، لأنّ الثقافة بقيت ،في رأيي، المجال الوحيد الذي لا يمكن أن يحسب فيه.
و لكنّ "صديقي" بعث لي بريدا مرتدّا فيه هذه العبارة :"الرجاء أن لت تبعث لي مستقبلا مثل هذه المادة.فإني لا أوافقك أنها شيء جميل يقرأ."
في الحقيقة لم أندهش كثيرا من أوّل وهلة. لأنّي، كأمثالي في الوطن العربي كلّه، مهووس بشؤون الحريات وحقوق الإنسان، عادة ما ألصق رفضا مثل رفض صاحبي في مبدأ "حرية الاختيار" المرتبط طبعا بحرية الذّوق وحرية التفكير( ربما أراد صديقي القول :"قرأته ولا يهمّني ما يقول"). إلاّ أنّي أمسكت عن البحث عن الأعذاروالتعلاّت لإنقاذ صاحبي، إحساسا منّي أنّ الإيمان بالحريات شيء و الحريات شيء ثان، وأنّ رفض صاحبي يحسب على رغبته في الإيمان بحريّته في اختيار الكاتب والمكتوب، أكثر منه تكريسا للحرّية ذاتها من أجل المساهمة في الشأن العام ولفائدة الصالح العام. فهممت حينئذ  بالتساؤل عمّ عسى أن يجعل مثقّفا من النخبة يشمئزّ من مفكّر، مهما كان جنسه ولونه وحساسيته.لم أهضمها حقّا. والله لو كان الاسم المقترح واحدا من دعاة الصهيونية أو الفاشية أو لا أدري ماذا، كنت أأنّب نفسي عن الاختيار المشؤوم ثمّ أنام نوما هادئا.
قلت في نفسي :"من قال لك يا هذا أنّ صاحبك يقرأ لمن يكتب في الفلسفة من منطلق المتديّن المؤمن؟" (سروش يسمّي نفسه "مفكرا دينيّا"). ولكن أدركت في حينها أنّ "التفكّر" الديني، علاوة عن كونه من أروع ما اكتشفت في الأشهر الماضية عند سروش - وهو ما يفتقده أصلا الفكر العربي المعاصر- فإنّ هذا النشاط نظيف وسليم ويمتّ للثقافة بكلّ الصلات. فازددت تأكّدا أنّ المسألة ليست مسألة  "حرية الاختيار" أو أي حقّ شخصي أو مدني آخر. ليست تلك هي الحكاية. فلجأت حينئذ إلى تجربة التساؤل بلغة الحسابات، مكره أخاك لا بطل،و بدأت أبحث لي عن بعض السّمات التي قد تهديني إلى فهم موقف صاحبي.
أوّلا،خامرت ذهني جنسية المفكر المرفوض. وهمست لنفسي أن قد يكون صاحبي من أقوى ما أنجبت تونس ومعها العالم العربي بتمامه من "العروبيين". لذا قد يكون أحسّ بتقزيم نفسه لإمكانية أن يعطيه إيرانيّ موعظة أو فكرة. أبالكراهية ومعاداة الفكر المستنير ستقاوم عروبتنا شعوبيّة من تشوعب (الشعوبية هي شعور تاريخي بالكراهية دفين لدى الفرس تجاه العرب) ، افتراضا منّي جدلا أنّ كاتبي المفضّل ممّن ورثوا معاداة بني جنسهم التاريخية للعرب؟ هل هنالك عربيّ واحد من جيلي لم يستمتع بكلمات الشاعر الفارسي الكبير عمر الخيّام في أغنية أم كلثوم الغنية عن التعريف "ربعيات الخيّام" (ترجمة الشاعر أحمد رامي)؟ أليس الخوارزمي وابن سينا وغيرهم ممّن سمّوا بالعلماء العرب، هم في الأصل فرسا أثروا في الثقافة العربية الإسلامية إلى درجة أن اعتبرناهم عربا؟ بل قل هل ليس ذلك تجسيما لمعنى العروبة السامي والنبيل؟
ثانيا، عادت بي الذاكرة إلى انقسام النخبة في تونس إلى علماني \ لائيكي وإلى إسلامي \ ديني. وكدت أعلن صاحبي من بين هؤلاء المتعصبين للاّئيكية (ثاني السرطانين، بمعية سرطان التعصّب الديني،حسب تسمية ناشط أمريكي مسلم معروف) إلى درجة أن سمّاهم محمد الطالبي "انسلاخسلاميين" (في كتابه "ليطمئنّ قلبي")؛ وأردف باراك أوباما في خطابه القاهري الشهير، "بطاقة" الطالبي بتلقين هؤلاء درسا في العقلانية مفاده أنّ التّدين والعقل يساوي واحدا. ولكن لم تكن لديّ حجّة على صاحبي و أنا لست بظلاّم للناس.
ثالثا، ملت إلى تصوّر ابنا لي أو ابنة يتتلمذان عند صاحبي الأستاذ الرافض لسروش من غير سبب معلن. فانتابني نوع من العرق كالذي مرّت عليّ سنين لم أعرفه (منذ آخر مرة زرت فيها حماّمات"العرّاقة" في قربص،قرب العاصمة). ثم راجعت" حساباتي" في التربية المدنية متذكرا بكل اعتزاز أنّ دستور بلادي يقول في سطوره الأولى :" تونس دولة لغتها العربية ودينها الإسلام". فهي ليست فذلكة يا محمّد،صرخت في نفسي. وكيف سيدرّس أبناءنا وبناتنا مدرّسون يرفضون التنوّع في أصول المعرفة مثل صاحبي؟ لنفترض أنّ مدرّس الأجيال ملحدا(هل هنالك سخيّا أكثر منّي؟).حرية المعتقد أمر لا تنازل عنه، لا باسم الإسلام، محرّك السلام،ولا باسم حقوق الإنسان،قاطرته.
ولكن أين معتقدات إبنك وابنتك وأبناءنا وبناتنا من تكوين هذا المدرّس؟ ألا يجب عليه أن يلهث وراء المعرفة على الأقل ليفهم ذهنية تلاميذ الشعب من المؤمنين ويغوص في أغوار نفوسهم لينقذهم من ضلال أو يصقل موهبة كامنة فيهم؟ ومن يدري،قد يكون مئات التلاميذ الذين يدرّسهم أو سيدرّسهم صاحبي من سلالة ستؤمن بما يقوله سروش أو غيره ممّن لا يشتهي صاحبي حتى رؤية صورهم في صحيفة أو مجلّة. أسوف لا يحتاج هذا المثقّف معرفة ما يجول في خاطر صغارنا من أفكار ذات مصادر و ألوان قد تضاهي لذائذها أو تفوت لذّة "الكسكسي" الذي لو لم أرض عنه لكنت أموت من عدم رضا والدتي عنّي؟ بل قل هل من الثقافة والفكر ما قتل ؟ رحمك الله ياوالدتي، لقد ولدتينا ثانية ؛لم تخليّ برسالتك ولن نخلّ بعروبتنا.

* الأكلة الشعبية الأولى في تونس

محمد الحمّار



couscous

intellos                                                                                                                  

Publicité
Publicité
Commentaires
Publicité