Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
Publicité
Archives
Derniers commentaires
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
11 septembre 2011

كتاب "إستراتيجيا" ح (11): تنصيب المنهاج الديني على "رجليه"


كتاب "إستراتيجيا" ح (11): تنصيب المنهاج الديني على "رجليه"


إن إصلاح العقيدة هو العودة إلى صفائها وإلى فعاليتها وإلى وظيفتها. ومن شأن الإصلاح العقدي تسهيل رؤية اليمين يمينا واليسار يسارا والعلوي علويا والسفلي سفليا والشرق شرقا والغرب غربا والحاجة حاجة والمشكلة مشكلة والحل حلا. وهذه مسائل تواصلية أكثر منها دينية. لذا فتصحيح العقيدة ليس مهمة دينية بقدر ما هي مهمة تواصلية تطال كثيرا من المجالات وتقع تحت طائلة المعرفة والعلم، وتُنجز في كل البيئات وأهمها البيئة المسجدية (التديّن) والبيئة المدرسية.
ففي ما يخص التديّن شرحنا كيف أن صاحب المنهاج العقدي و النظرة إلى الحياة على الطريقة المحافظة (سلفية وأصولية وإسلامية سياسية، وعامة المسلمين) كالذي يمشي على رأسه.  وبمُقتضى هذا الوضع المقلوب ترى المسلم المحافظ إما فقيها يستخدم الاستنباط في ما لم يعد فيه استنباط، وإمّا من بين عامة الناس الذين يستبقون خيرات الأرض اليوم قبل غدٍ خشية الانتقال إلى الرفيق الأعلى قبل أن يخلدوا إلى الأرض كما يبغون ويشتهون، وكما هم يتصورون الإسلام خطأ. وبين الفقيه وعامة الناس هنالك مراتب في بوتقة  ما يسمى بـ"العلمانية". وهي بوتقة تشتمل على سائر أنماط السلوك، بدءًا بالإلحاد وانتهاءً إلى التزمت ومرورا بالنفاق والمداهنة والمداراة.
وتنصيب المنهاج على "رجليه" يقتضي جملة من الإصلاحات والتصحيحات التي ستُسفر عن اقتراب المسلم أكثر ما يمكن من كُنه الأشياء وجوهر الأمور. ويكون الاقتراب اقترابا في الإدراك وفي الإحساس وفي الفهم وفي الحكم وفي القياس وفي الترتيب وفي التأويل وفي التقييم وفي سائر العمليات العقلية والعاطفية. كما يستوجب التنصيبُ منهجيةً للإصلاح تكون مرتكزة بالخصوص على استقراء القوانين التي تحكم الواقع في ضوء الشريعة السمحاء أكثر من الارتكاز على استنباط الأحكام منها، وعلى الميدان أكثر من الكتاب، وعلى العقل أكثر من النقل، وعلى الحاضر أكثر من الماضي، وعلى الواقع أكثر من الخيال (لمّا يُلبس الواقع بالخيال لا عندما يُعتمد الخيال لتوليد الواقع الجديد؛ فهذا واجب).
انقلابٌ عقدي، فخلطٌ بين اليمين واليسار، دينا وسياسة، كما رأينا. والسؤال الآن ماذا عسى أن يقدّم مثقف اليوم إلى ثوار تونس الشبان في هذا الباب، عندما يتشكل الوعي بتنصيب المنهاج العقدي على "رجليه". وماذا عسى أن يضيفه الشباب، بفضل ذلك، إلى الثقافة السياسية العالمية؟
 الحل سهل وبسيط إلا أنّ تطبيقه يستدعي كل الإصلاح الذي سنقترحه، وربما إصلاحات إضافية. الحل أن نفهم أنّ اليمين في الإسلام يسارٌ في السياسة وأنّ اليسار في الإسلام يمينٌ في السياسة. لا أكثر ولا أقل. أمّا بخصوص التطبيق (المشروط بالإصلاح) فالاختيار موكولٌ للقائمين بالإصلاح. إمّا أن نستبدل اسم اليسار السياسي باليمين ونغير بذلك المفهوم العالمي لليسار. وإمّا أن نُبقيَ على تسمية اليسار يسارا مثلما يفعل كل العالم لكن مع حرصنا على تبليغ الرسالة التالية إلى سائر العالم في حال أن ليس له من خيار سوى أن يبقى يمينه يمينا ويساره يسارا:
 "من هنا فصاعدا ندعوكم لأن تقبلوا اختلافنا عنكم. وقبولكم للاختلاف يستوجب أن تستسيغوا عمل الخير الذي يصدر عنا على أنه متسق مع ما تسمونه يسارا. وبما أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندنا إنما هو خيرٌ متأتٍّ من عقيدتنا وقيمنا، وأيضا مُتأتٍّ مما سمحت به غربلة القيم الكونية عبر مصفاة قلب المسلم وعقله مِن دمجٍ وصهر، لذا ندعوكم لأن تفهموا أنّ الإسلام يتفق، من هنا فصاعدا، و بنسبة عالية جدا، إن لم نقل بكثيرٍ من التطابق أحيانا، مع ما يصدر عنكم من أعمالِ خيرٍ تُصنفونها أنتم على  أنها يسارية. بكلام آخر وبلغة اليوم، إنّ الإسلام دينٌ قد زُجّ به في يمين السياسة بينما هو بطبيعته دين يسار. بينما الإسلام دينٌ لليسار. ولم يكن  انزياح الإسلام نحو اليمين في التاريخ المعاصر وانحياز اليمين له، بل واستئثار اليمين به، سوى نتيجة لتراكمات الجهل المتنوعة والمتعددة. فلنتعاون على استرداد الإسلام لطبيعته. إنّ في ذلك لإنصافٌ للدين وللدنيا."
ويمكن التخلص للقول من جهة إنّ ذروة السذاجة أنّ اليساريين في تونس وفي معظم البلاد العربية والإسلامية يجهلون هذا المعنى. أما ما يمكن استنتاجه من جهة أخرى وبخصوص اليمين المتدين (حزب"النهضة" و"التحرير" وغيرهما)، أنّهم لو ناهضوا اليسارَ لأنّ اليسار يجهل المعنى "اليساري" في الإسلام، لكانت حالة طبيعية. بينما المعضلة أنّ اليمين يفعل ذلك لأنه يعتقد، خطأ، أنّ إثم اليسار أنه لا يتبنى نفس الفهم للدين الذي يتبناه اليمين، رغم اعوجاجه؛ وهو فهمٌ مُحرّفٌ للدين وللواقع معا، ومناهض للتقدم. وما يحز في النفس لدى القطبَين، اليمين واليسار، أنهما يتعاملان مع المعطى الديني بطريقة فُصامية، الأمر الذي يبرهن مرة أخرى على غرابة أن يكون هنالك حزبا دينيا في مجتمع مسلم مثل مجتمعَي تونس ومصر.

في النهاية ما من شك في أنّ مستقبل تونس والمغرب العربي والعالم العربي الإسلامي سيكون يساريا لكن بشرط: لو توَصلت النخب إلى استيعاب فكرة أن الإسلام في جوهره يساريا، وأنّ ما اشتباه اليسار تقليديا بمناهضته للإسلام إلا شماعة اختلقتها الأمة بجهلها واستغلها أعداء الأمة ليقلبوا موازينها الفكرية ويخلطوا يمينها بيسارها.
محمد الحمّار
* كانت هذه الحلقة (11) من كتاب بصدد الإنجاز: "إستراتيجيا النهوض بعد الثورة".

Publicité
Publicité
Commentaires
Publicité