Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
Publicité
Archives
Derniers commentaires
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
5 décembre 2011

"الوسطية التأليفية" كحلّ لأزمة التجاذب

mourou"الوسطية التأليفية" كحلّ لأزمة التجاذب

لا زلتُ أذكر الكلمات النفاثة لستيفن فايدنر أخصائي الإسلاميات الألماني لمّا قال إنّ صراع الحضارات سوف يحدث في داخل المجتمعات لا في ما بين بعضها البعض. وذلك بين قيم الشرق المختزلة في الإسلام وقيم الغرب المختزلة في الحداثة. ويُبرز فايدنر أهم صفة في الصراع وهي تلك المتمثلة في أنّ كلا الطرفين لا يقارن الجيّد لديه بالجيّد لدى خصمه وإنما يقارن الجيّد عند بالرديء عند الخصم.

إنه ليُسعدني ويؤلمني في الوقت نفسه أنّ هذه حقيقة نعيشها الآن. وهي وضعية سائدة في تونس وفي مصر على وجه الخصوص، وفي سائر بلدان المسلمين. يسعدني ذلك سعادة الطبيب الذي يضع إصبعه على موقع الألم. ويؤلمني أن لا أسجل عناية بمثل هذه الموضوع الشائك والحساس والحيوي لدى الرأي العام، لدى المواطن العادي.

لقد بلغ صراع الحضارات عندنا محطة باردو (الضاحية القريبة من العاصمة) أين تعتصم منذ بضعة أيام آلاف الجماهير أمام مقر المجلس التأسيسي، بعضهم للاحتجاج على سير أعماله، والبعض الآخر للاحتجاج على الاحتجاج، وأولئك للرد على أولئك. إنّ هذه الحلقة المفرغة التي أحاطت بقصر باردو هي الاستقطاب أو التجاذب. وهي بكلام فايدنر صراع الحضارات الداخلي.

إذا صرّفنا عبارات فايدنر إلى معانٍ في سياقها التونسي (والمصري والعربي والإسلامي) سوف نقول إنّ المواطن صار يقارن إصغائه للآذان باستماع خصمه إلى أنغام مُطربِه المفضل، وسجوده وركوعه أثناء الصلاة بإدمان خصمه على مشاهدة الأفلام الإباحية في أوقات فراغه، و تسريحة الشعر لدى زوجته أو أخته بنقاب زوجة أخيه أو جارته أو طالبة العلم بجامعة منوبة (أين يتواصل اعتصام "سلفي")، وهلم جرا.

والصورة المعاكسة جدّ صحيحة أيضا وإلا فكيف يُختزل الإسلام، والثقافة الإسلامية والتونسية بل والحضارة، في لحظة يخال فيها هاوي الطرب أنه ليس أهلا بالخشوع عند الآذان ناهيك أثناء الصلاة، ويعتقد فيها مدمن الأفلام الإباحية أن بين الصلاة وإدمانه بون شاسع لا يجيز له تجريب الصلاة، وتَحرقُ فيها منقبة جامعة منوبة كل مراحل َتشكلِ الهوية بنزعها التنورة وبنسيانها "الخامة" و "السفساري" (الرداءين التقليديين التونسيين) وبقفزها على الحجاب فارتدائها النقاب للتو؟

بعدئذ ليس من الصعب أن نتصور الحل. ما من شك في أنّ المأمول أن يقارِن المرءُ الجيّد لديه بالجيّد لدى الآخر. وهذه عقلية مفقودة الآن لكن لا يستحيل تشكلها. فالمصلي الهاوي للطرب موجود، والمتديّن المنجذب للإباحية وللدعارة موجود، والمتبرجة المتدينة موجودة، والمنقبة ناقصة الأخلاق الحميدة موجودة. والمطلوب أن يقارن المصلي خشوعه بتفاني غيره (الذي قد يكون ملحدا) في العمل، مثلا، لا أن يقارن إيمانه هو بإلحاد الآخر. والمطلوب أيضا من المتديّن المنجذب للإباحية عدم إلقائه اللوم على مَن لا يُصلي لكنه ذو أخلاق حميدة تفوق أخلاقه هو، إن في السر أم في الجهر أم في الاثنين معا.

ما هي المشكلة الحائلة دون المرء ودون المقارنة الصحية إذن؟ المشكلة مشكلتان على الأقل، وهما كالآتي:

أولا، أن لا يرى المرء نفسه قبل أن يرى غيره، مما يجعله يُشخّص العيب الموجود عنده وعند غيره على أنه عيب فقط لمّا يكون عند غيره.

ثانيا، أن لا يستطيع هذا المرء أن يرى الجيّد عند غيره مادام هو حريص على أنّ غيره لا يستبطن إلا السيئ، ذلك السيئ الذي يدرأه هو عن نفسه.

والحل؟ لا أعتقد أنّ هنالك حلان. فالأجدى بالمجتمع أن يتعلم التأليف. والتأليف ليس التوليف أو الوفاق ( مصطلح سياسي راهن في مرحلة الانتقال الديمقراطي)، ناهيك التلفيق. التأليف هو ما يلي:

أولا، أن يرفض المرء أن ينقاد إلى الذي كله "شرقي" (إسلامي) أو كله "غربي" (حداثي).
ثانيا، أن لا يذعن لسلك طريق ثالث إقصائي بتمرده على الإسلامي فيه وعلى الحداثي فيه.
ثالثا، أن يعي بالمشكلة إلى حدّ إدراكه الطريق الثالث التأليفي، وذلك باعتماده ضم الجيّد في "الإسلامي" وفي "الحداثي" في ذات الحين. إذ إنه نظريا منتمٍ للاثنين. وما لا يقبله المنطق والنظر أن يعتبر نفسه لا هذا ولا ذاك.

سياسيا يمكن القول إنّ ما نسميه في تونس "الأغلبية الصامتة" هي للأسف تلك التي تشعر أنها "لا هذا لا ذاك". بينما هي قوة المستقبل، بالمنطق وبالنظر وبكل التقويمات و المقاييس. ولكي تكون كذلك فهي بحاجة لقوة سياسية "وسط". إنما الشرط أن تكون هذه القوة ذات وسطية تأليفية.

لقد جربنا الوسطية مؤخرا في تونس. وكان ذلك في إطار الانتخابات وبواسطة ما كان يُسمى بـ "الائتلاف الديمقراطي المستقل"، أو ما عرف بـ"طريق السلامة"، وشعبيا بـ"ائتلاف مورو"، نسبة لرئيسه الأستاذ عبد الفتاح مورو الشخصية الدينية والقانونية المعروفة. ولم يفلح الائتلاف الوسطي في الحصول على أي مقعد في انتخابات المجلس التأسيسي. رغم أنّ كل الملاحظين، محليين وأجانب، كانوا يعلمون توجهات مورو الوسطية، بل وشهرته كوجه سياسي قابل للمساندة وللترشيح لعديد المناصب العليا.

نفهم من هذا أنّ الواقع لا يكتفي بالتوجهات الشخصية. كما نفهم أنّ الواقع لا يكفيه التوجهُ الوسطي لأيٍ كان، ولو كان اسمه مورو، لتهيئة مقعد واحد لجماعته في المجلس. وأرجح أن ذهبت معظم أصوات مناصري مورو أدراج الرياح، إلى أحد قُطبَي التجاذب أو إلى كليهما. وهذا منطقي حيث نستنتج من كل ذلك أن لا مكان لوسطيةٍ لا تكون مدعومة، بل لا تكون مسبوقة، بالعمل التنظيري. فالوسطية مسار، لا مقال.

صحيح أنّ التونسيين يشمئزون من التنظير. وهم معذورون حقا. لكن عذرهم معهم لو كان التنظير لغاية التنظير. بينما الشرط المنشود تحقيقه لإنجاح أية تجربة وسطية، فضلا عن أنّ مؤسسيها مطالبون بأن يسلكوا المنحى التأليفي، أن يدرك المجتمع أنّ هنالك تنظير وتنظير. إنّ التونسيين عمليون ممّا لا شك فيه، لذا فالتنظير الملائم لهم ينبغي أن يكون تنظيرا للعملي لا تنظيرا للنظري كما يتوجسون. وكل الناس مطالبون بأن يتشاركوا مع أصحاب التنظير العملي فيه. وإلا فعن أية ديمقراطية نتحدث؟

في هذا السياق العملي، وجب التشديد على خطورة التكلس في القوة الثنائية المتجاذبة الآن التي تحُول دون المجتمع والتحرر من التطرف. وأعتقد أن لا يُربك هذه القوة ويفككها سوى قوة أكبر منها. والقوة الأكبر من المفترض أن تكون متكونة من صُلبها. إنها قوة الجيّد من هذا القطب مع قوة الجيّد من ذاك القطب.

لذا لا أرى مقترحا ملائما لطبيعة المشكلة ولطبيعة المجتمع، إن في تونس أم في أي بلد عربي إسلامي آخر، غير تأسيس قوة يسارية متدينة. وقد حاولتُ إطلاق المفهوم وأطلقتُ عليه اسم"اليسار المؤمن": "يسار" باعتبار أنّه المكوّنُ التأليفي المستمد من الانتماء إلى الحداثة، و"مؤمن" باعتبار أنه المكوّنُ التأليفي المستمد من الانتماء إلى الإسلام.

ليس اليسار المؤمن قطبا ثالثا بقدر ما هو نابع من الرغبة في تلبية شروط بُعد ثالث، بُعد التأليف من أجل تكوين الوسطية التأليفية. فالوسطية تبقى حبرا على ورق في حال اعتبارها أمرا مفروغ منه، بدعوى انتمائها إلى سلّم مفاهيمنا وإلى ثقافتنا الإسلامية. إنما تتحول الوسطية إلى حقيقة فقط لمّا يقع العمل من أجلها على مراحل. ويبدو أنّ اليسار المؤمن مرحلة اللحظة الراهنة الموصلة إليها.

محمد الحمّار

Publicité
Publicité
Commentaires
Publicité