Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
Publicité
Archives
Derniers commentaires
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
31 mars 2012

الإصلاح البورقيبي استباق للعلم وحجة على لزوم التجديد

الإصلاح البورقيبي استباق للعلم وحجة على لزوم التجديد الدينيbourguiba en entier


في الوقت الذي يتعرض فيه المجتمع التونسي، والعربي، لإهانات ذاتية باسم الدين والتديّن الإسلام منها براء، قد يكون الاستئناس بالعلم الحديث في قراءة تاريخ بلد مثل تونس واحد من الطرق المؤدية إلى حقائق لم تكشف عنها أساليب التحليل التقليدية. في هذا السياق لنحاول استقراء بعض قوانين التطور في المجتمع التونسي المعاصر بالنظر إلى المسألة الدينية، وذلك بفضل مقاربة معلوماتية. فقد تصلح المعلوماتية لا فقط لتثوّر، كما هي فاعلة الآن، عبر ما أصبح يسمّى بـ "تكنولوجيات المعلومات والاتّصال"، طرق التواصل بين الناس، ولكن قد تصلح أيضا لتبرير طرق التواصل الجديدة فنهتدي بفضلها إلى القاعدة العلمية التي بنيت عليها. ثم لنرَ كيف يمكن استشفاف كيفية استثمار نتائج هذه المقاربة في تغيير الواقع التونسي، والعربي الإسلامي.


يقول الأمريكي ألفن توفلر مؤلف كتاب "رجّة المستقبل و الموجة الثالثة" (1): "إنّ الأمّي في القرن 21 سوف لن يكون ذاك الذي لا يحسن القراءة و الكتابة. سيكون ذاك الذي لا يحسن التعلّم، محو ما تعلّم ثمّ إعادة التعلّم." إنّ الذي أدهشني من أوّل وهلة عند قراءة تنبّؤ توفلر ليس، بعد،المعنى والصيغة  الاستشرافية (المسمّى) بقدر ما هو الإسم الثلاثي أو ثلاثية الإسم. فالأفعال الثلاثة المكوّنة للإسم، رغم أنّها متداولة في اللغة الانجليزية (وأيضا في الفرنسية)، إلا أنّ عدم وجود سبق بخصوص إدماجها في "ثلاثية فعلية" – إن صحّ التعبير – لتتأسّس عليها عملية أو وظيفة واحدة و مندمجة، قائمة بذاتها بما يؤهّلها لاستحقاق اسم المنظومة المتكاملة، هو الذي يسترعي الانتباه بما معناه أنّ ندرة المظهر(اللغوي) تخفي ندرة الباطن (المنهج الجديد للتعلّم).


ها نحن الآن أمام منظومة ذات ثلاث مراحل متّصلة ببعضها البعض بصفة عضويّة  (أتعلّم- أمحي- أعيد) ولكنّها، من جهة أخرى، تحتوي على بعدين اثنين، واحد لغوي و آخر منهجي يبدو أنّ الصلة بينهما هي كذلك في غاية من الوثوق. والصلة تتمثّل، على الأقل، في اشتراك البعدين في التثليث (الأفعال الثلاثة ومسمّياتها على التوالي). ولسائل أن يسأل: من أين جاء التثليث؟ و ما علاقة المراحل الثلاثة بالثورة المعلوماتية التي افترضنا، في بداية التحليل، أنها قد تكون أنارت مسالك كانت بالأمس مظلمة، بحكم أنّ التطبيقات المعلوماتية نفسها مستوحاة من تطبيقات العقل الإنساني؟
إنّ من يلقي نظرة عميقة واستطلاعية على مختلف وظائف الكمبيوتر ولا يكتفي بمجرّد مداعبته وإتباع شطحاته و إبداعاته لن يجد صعوبة في إدراك تواتر عمليات ذات مراحل ثلاثة، منها ما هو سطحي من نوع " أشغّل- أطفئ- أعيد التشغيل" ومنها ما هو ذو دلالة أعمق: أركّب- أمحي- أعيد التركيب".


إنّ هذه الوظيفة جدّ هامة من حيث تجسيمها لرؤية معيّنة للتعلّم بما معناه أنّ "التعلّم" إنما هو في الأصل تركيب لبرنامج، بما يترتّب عن ذلك من تكامل في البنيان وصلابة في المحتوى، وأنّ " محو التعلّم" إنما هو إفساد لبرنامج ثبتت عدم جدواه أو استنفذ الصلاحية التي تم تركيبه من أجلها، و أنّ " إعادة التعلّم" إنما هي تركيب لبرنامج محدث، أو لآخر تمّت مراجعته و تمّ تنقيحه، فيه ما يلزم من الحينية و الحيوية ما يخوّل الاعتماد عليه كأفضل بديل لذاك الذي لم يعد صالحا فتمّ محوه.
فبعد أن ثبت، هكذا، أنّ لتكنولوجيا المعلوماتية صلة دموية باللغة من جهة و بالتعلّم من جهة أخرى، فإنّ المحصّلة تتلخّص في ما يلي: إنّ طبيعة الوظائف المعلوماتية، بحكم أنها مجسّمة لتمارين و نشاطات الذكاء الإنساني المتعددة و المختلفة رغم الطابع الافتراضي التي تكتسيه هذه النشاطات و التمارين في المقام الأوّل، قد بدأت في إضفاء نوع من المرونة و الليونة و السيولة في صميم نظائرها من الوظائف الموجودة في واقع الحياة؛ نظائر تتقدّم عليها في السنّ وفي التراتب مثلما تتقدّم الدجاجة على البيضة. هكذا فالــ"البيضة" هي التي تنجب الـ "الدجاجة" بعد أن كانت هذه الأخيرة قد منحت سبب وجود الأولى.
فمنهجية التعلّم التي تنبّأ بها ألفن توفلر، مثلا، صارت بعد واقعا ملموسا وهي الآن واحدة من دعائم الإستراتيجية التعليمية في عدد من الجامعات العالمية مثل " المركز السويسري للتصرف" *. والسؤال: هل يمكن أن تنسحب نفس تلك المرونة و الليونة و السيولة، التي حققتها الثورة المعلوماتية، على كل ما نتعلّم؟ وإذا كانت الإمكانية واردة فعلا، ألا يستحسن أن يتمّ تجريب و تطبيق ركني " المحو" و" الإعادة" على كل ما لم نحسن تعلّمه، أو ما أخطأنا في تعلّمه على الوجه الأكمل، مثل اللغة و الدين؟


فبخصوص اللغة، تلوح الإجابة بالإيجاب بديهيّة. فيكفي أن يراجع المرء (الكهل أو الشيخ مثلا) نفسه و يتذكّر كلامه لمّا كان صبيّا ثمّ مراهقا فشابّا و أخيرا كهلا و شيخا ليستنتج بسهولة أنّه اليوم لا ينطق بنفس "الكلام" (بمفهوم كلمة "بارول" الفرنسية لفردينون دي سوسير) الذي كان يستخدمه في أيّة حقبة سابقة. بالتّأكيد، لقد تكرّرت عمليّة "أمحي ما تعلّمت – أعيد التعلّم " عدّة مرّات و بصفة طبيعيّة لدى المتكلّم فأفرزت الـ"كلام" المنسوب إليه دون سواه من مستعملي نفس اللغة في حقبة معيّنة (الحقبة الحالية مثلا).


أمّا بخصوص الدين، فقد يكون تاريخ الأديان شاهدا على أنّ منهجية " المحو/الإعادة"( و التي تحدث طبعا بعد التعلّم) قد سبق فعلا توظيفها في المجال العقائدي. و من أجل التثبّت من ذلك، يكفي أن نتذكّر عبادة الأصنام عند عرب الجاهلية و اضمحلالها بسبب استبدالها بالإسلام؛ أو ماجوسية بلاد فارس ثمّ اعتناق الفرس للدّيانة الإسلامية؛ أو إسلام بلاد الأندلس ثمّ استبداله بالمسيحية؛ أو الديانات البونيقية في شمال إفريقيا ثمّ تعويضها بالمسيحية في الحقبة البيزنطية وبالإسلام في القرن السابع ميلادي؛ أو حملات التنصير والتّهويد والدّعوة الإسلامية في الحقبة المعاصرة. إلاّ أنّ الأهمّ في هذا كلّه يخصّ أوضاع المجتمعات الإسلامية المعاصرة بناءا على كونها تعيش أزمات هويّة و استقطاب عقائدي (و سياسي) و إرهاب فكري و ما إلى ذلك من الأوبئة المتأتّية، في رأينا، إمّا من سوء تعلّم الإسلام أو من مغالاة في تعلّمه أو من رفض غربلة الموروث الدّيني والمكتسب باتّجاه التصفية و التّنقية أو من رفض لإعادة النظر في ما لم يعد صالحا من مسلّمات التديّن (وليس من مسلمات الدين).


ولأنه قد تسنّى لنا، إلى حدّ الآن، أن نتفحّص عراقة طريقة " أتعلّم – أمحي – أعيد " (رغم ثوبها المعاصر التي عادت لنا فيه) من حيث ملاءمتها لمجال تعلّم الدّين عموما، ولأنّ التطبيقات التي ذكرناها تبدو جدّ صالحة لإعادة تعليم الإسلام دون سواه من الأديان، وذلك رغم تعلّق تلك التطبيقات باستبدال دين بدين، وليس باستبدال ما فسد من التديّن بما صحّ منه حسب نفس الدين (2)، فلا ضير في أن يتحلّى دعاة الإسلام بما يلزم من الثقة و من الإيمان و من العلم و يكونوا من بني هذا العصر لكي ينضمّوا إلينا بالتساؤل: هل ليس هنالك قرائن  معاصرة تلوّح بأنّ السبق التاريخيّ والوظيفيّ في تطبيق الطريقة الثلاثية على التديّن (كعملية اجتماعية واسعة ) موجود فعلا لدى بعض المجتمعات المسلمة دون سواها؟ وهل لا يمكن، في صورة الجواب بالإيجاب، استكمال نفس المنحى أو تطويره أو سحبه على كافة المجتمعات المعنيّة، أو القيام بكلّ ذلك معا، أي اعتماد طريقة " تعلّم – محو – إعادة " و تطبيقها في مجال التربية الدينية العامة ؟


    فعلا، يتّضح لنا أنّ الطريقة العائدة إلينا في ثوب جديد قد تمّ استخدامها بالفعل وهي تنتمي إلى ثقافة التديّن عند بعضنا. ولا يهمّنا إن تمّ ذلك عن قصد أو عن غير قصد، عن حسن نيّة أو عن سوء نيّة، بقدر ما يهمّنا الانتفاع بالآثار المنجرّة عن العملية ذاتها. أمّا المكان الذي حصلت فيه "التجربة" فهو لا شيء غير بلدين اثنين : تركيا وتونس. ففي هاذين البلدين قد حصل نوع من المغالاة بالعصرنة والتمدّن ومحاولة التحديث كقيمة في حدّ ذاتها، من قبل الزعيمين المؤسسين للدّولة الحديثة فيهما وهما على التوالي مصطفى كمال أتاتورك والحبيب بورقيبة. وبالتالي فإنّ ما يمتاز به نظامي البلدين عن سائر الأنظمة في البلاد الإسلامية هو المنحى العلماني (بنسب متفاوتة طبعا؛ ولو أنّ العلمانية في تركيا صفة للدولة بينما هي في تونس فكر، واقع غير مُمأسس). وقد كان ذلك نتيجة منطقية للإيمان المفرط بالعصرنة و التمدّن والحداثة.


وقد أفرز ذلك الانبهار الأقصى بالقيم والمفاهيم والمنهجيات الغربية النشأة، بالتوازي مع تكريس فصل الدّين عن الدّولة في واقع الحكم، أضرارا جسيمة في داخل النسيج العقائدي والرمزي والنفسي والسوسيولوجي للمجتمعين المعنيين دون سواهما، أهمّها على الإطلاق تتعلّق بمسألة الهوية بكامل فروعها. وما من شك أنّ الدين (الإسلام) قد نال، ولا يزال ينال، نصيب الأسد من السجالات الفكرية للنخب في كلا البلدين، وبالخصوص في تونس اليوم، ما بعد الثورة. والسؤال في ضوء هذا: من جهة، ماذا عساه جرى للإسلام في خضمّ الثورة الكمالية التي أرست دعائم الدولة العلمانية الفتية حتى نرى المجتمع التركي اليوم يقوم بمنعرج ذي 180  درجة يتمثل في أن أصبحت تركيا بالذات البلد المسلم الوحيد الذي يحكمه حزب إسلامي سياسي (حزب العدالة والتنمية) يقبل ويطبّق مبدأ التداول على السلطة في ظلّ تجربة ديمقراطية تعدّ فريدة من نوعها من حيث نجاحها إلى حدّ الآن؟ من جهة أخرى: ماذا عساه جرى للإسلام قبل الإعلان عن قيام النظام الجمهوري في تونس في سنة 1957 ( وكذلك بعده) بانتصار التيّار العلماني التحديثي بزعامة الحبيب بورقيبة حتى نرى، منذ التحوّل السياسي (المشبوه) في 7 نوفمبر 1987، تواتر مُلفت للانتباه لمحاولات التدارك؟


 لقد توالت فعلا، في تونس، الإجراءات العملية والقرارات السياسية رفيعة المستوى التي كانت ترمي ربما إلى نوع من التدارك لِما فات، ممّا حدا بالفاعلين تسمية كل عمل من ذلك القبيل "إعادة الاعتبار للدّين الحنيف". ثم ما معنى أن تتبنّى الدولة بالذات، في سنة 1993، إنجاز برنامج إصلاحي لمادة التربية الإسلامية في صلب المناهج الخاصة بالناشئة والشباب، وهو عمل فريد من نوعه مقارنة بسياسات البلدان الإسلامية الأخرى؟ وما القصد من قرار بثّ آذان الصلاة في التلفزيون أو من تأسيس إذاعة قرآنية بعد عقود من "تجفيف منابع الدين"؟


قد نميل إلى الظن أنّ تلك الإصلاحات والتحوّلات الحاصلة في مستوى طريقة التعامل مع الدين الإسلامي (سياسيا ومؤسساتيا في تركيا، وتربويا وإعلاميا في تونس)، إن دلّت على شيء فتدلّ على أنّ الإسلام، في كلا البلدين، قد تمّ  "محو تعلّمه" بما معناه شطب ما تبيّن فساده من التقليد الديني ومن الثقافة الدينية ومن أنساق التدين البالية والمحنّطة، أثناء فترة بناء الدولة الفتية في كلا البلدين، وهي بالذات حقبة استلزمت المراهنة على قيم العلمانية والتمدّن والعصرنة بغية تحصيل الحداثة، واستبدال العوامل والقيم شبه الدينية بها. لكنّنا نميل إلى الاعتقاد أنّه قد حصل سوء تفاهم تاريخي (لا يضاهيه خطورة سوى سوء التفاهم حول دور الدين) بين من قصد "المحو" وبثّ رسالته إلى المجتمع كمتلقّ، وبين المجتمع، الذي أريد له أن يتقبّل الرسالة. فبقدر ما كانت هذه الأخيرة نبيلة (افتراضا) لدى الباث (المصلحين في تركيا؛ وبرقيبة وفريقه في تونس) وتهدف إلى تخليص الدين من شوائب التديّن، بقدر ما وقع فهمها، في حقيقة الأمر، من طرف المتقبّل (المجتمع) على أنّها هدّامة ومستهدفة للدين نفسه، كما سنرى. 


 وإلاّ كيف نفسّر ذلك المنعرج التصحيحي الذي سجلناه في سلوكيات السلطة الحاكمة في تركيا الكمالية وفي تونس البورقيبية  في فترة ما بعد أتاتورك وفي فترة ما بعد بورقيبة على التوالي، إن لم يكن الدافع هو الحاجة الملحّة للقيام بعمل ما يكون عملا استعجاليا يرمي إلى تضميد الجراح. ولقائل أن يقول: "من أين جاءت الجراح والحال أنّ "المحو" كان من ورائه قصد تحرير القوى العاملة وتنمية المهارات الضرورية للتقدّم؟" طبعا هنا يكمن المشكل والجواب الأرجح هو أنّ المجتمع (الشعبي) في كلا البلدين لم يع تلك الأبعاد النبيلة التي كان يخفيها هدم ما فسد من التديّن، بل آخذ عملية "المحو" والتفريغ على أنها إجرام في حقّ الدين بالذّات وفي حقّ المتديّنين. والذي زاد الأمر تعقيدا تأخر النخب المثقفة، وهي علمانية متطرفة في غالبيتها، عن الركب الإصلاحي إزاء المسألة الدينية وعلاقة الدين بالحداثة، فالذي "حدث في تركيا (صعود الإسلاميين إلى الحكم) لا شك في أنه زلزال سياسي (...) وهو زلزال بمعنى انقلاب سياسي أبيض جاء عبر صناديق الاقتراع تعبيرا عن سخط شعبي ضد هيمنة المؤسسة العلمانية المتطرفة (...)"(3)


إذن، جاء الوعي  بلزوم الإجراء الإصلاحي العريض الذي اتّخذته السلطة في كلا البلدين المعنيين في التسعينات من القرن الماضي وفي مقتبل القرن الحالي (و هو سياسي في تركيا وتربوي/إعلامي في تونس) بمثابة اعتراف، من ناحية بعدم جاهزية مجتمعها تباعا، في أواسط القرن المنقضي، لقبول مثل ذلك "المحو"، ومن ناحية أخرى لضرورة تعويض ما قد تمّ محوه وتفريغه.ومن هنا تفهم أنّ القصد من تنفيذ الإجراء الإصلاحي إنّما هو " إعادة تعليم " الإسلام، بمعنى إعادة التركيب، لدى الأجيال الجديدة، لما وقع اعتباره أنّه فاتها مقارنة بما كان عليه حال التديّن لدى آبائهم وأجدادهم.


إلاّ أنّ هذا الإستنتاج لا يسمح لنا بالحكم لا لفائدة من قام بـ"إعادة تعليم" الدين و لا لفائدة الكيفية التي تمّ بها ذلك. كما لا يسمح لنا بالحكم لا عليه ولا على الكيفية نفسها. إنه حجة فحسب على أنّ العملية الثلاثية، "محو التعلّم" (أو التفريغ) ثمّ "إعادة التعليم والتعلّم " (بالإضافة إلى "التعلّم " وهو المعطى الموجود تاريخيا) والتي تنبّأ بها ألفن توفلر قد تمّت فعلا بخصوص مادة الإسلام. فيحقّ لنا أن نعتبرها سابقة عملية في تاريخ الإسلام عوضا عن الامتعاض منها أو التنديد بها، سيما أنّ سيد المرسلين كان يستخدم هذا المنهاج: "كان صلى الله عليه وسلم يفرغنا ثم يملؤنا" (عن أحد الصحابة؛ وهي أيضا منهج يُعرف باسم "التخلية والتحلية" لدى الصوفية). لقد فرّغت النخب في عهد بورقيبة من الإيمان بالخرافة ومن التفكير السحري، ولا ضير في أن يقع التفكير في إضفاء البعد البيداغوجي المعاصر على هذه العملية، مما يرشّحها كمنهجية قابلة للاستخدام من طرف المربّين والفاعلين في المجتمع المدني، من مفكرين وإعلاميين وأدباء وفنانين، شريطة أن تتوفّر لهذه الأطراف الدراية اللّازمة، ليس بالدين الحنيف بالضرورة، بل بكيفية التعامل مع الدين وتناوله. والتجديد الديني يعني بالذات تصحيح هذه العلاقة لا تغيير الدين لا سمح الله، كما يتوجس منه خيفة الكثيرون.


فقط يجب على هذه الفعاليات أن تدرك مليا ثم  تذكر العامة  أنّ ما تعلمته مجتمعاتنا من الإسلام هو كلّ الإسلام وليس نصفه أو ربعه، كما ذهب إليه بعضهم، "فكل مسلم مقتنع بدينه منذ أن نزلت الآية الأولى في غار حراء. ومن يحاول أن يأتي للمسلمين بوسائل لاقتناعهم بدينهم فإنما يضيع وقته و ربما يضيع وقت المسلمين أنفسهم،" (4) وأنّ عدم ارتقائنا إلى فهم أرقى و أعمق للرسالة الإسلامية هو المشكل الأساس، وليس مردّه نقص في الدين وفي المعرفة الدينية، بقدر ما مردّه نقص في تقنيات المراجعة المستدامة ("محو التعلّم") للموروث و المكتسب من الثقافة الدينية حتى يتسنّى لنا من جهة القضاء على الغث من ذلك الموروث ومن تلك الثقافة، ومن جهة أخرى تحيين التعاليم والوصايا السمحة ثمّ الارتقاء بها إلى مستوى العصر وبخطاب العصر: " إعادة التعلّم ". فالأجدى أن لا يضيّع نخب ما بعد الثورة حقيقة علمية مؤكدة كهذه، ناهيك أنها متناظرة مع منهاج ديني، فيستبدلوها لا قدر الله بالسراب الإسلاموي.                                                                          

محمد الحمّار

    

     المراجع:


(1) عن مجلة "نيوزويك" 9-10-2006 ص 59

(2) لا يمكن أن نقارن هذا بما جرى لليهودية ثمّ للمسيحية من استبدال للدين بنفس الدين، وهو ما نعتبره  نحن المسلمون تحريفا يتناقض مع جوهر الفكرة التي نحن بصدد تحليلها.

   (3) الكاتب الليبي فرج العشة كما سرده جورج جحا في " حين تسري روح الإسلام في العلمانية" ، جريدة "العرب" بتاريخ 27 ماي 2009، ص 14.

(4) مالك بن نبي، " دور المسلم و رسالته"، دار الفكر، دمشق، 1989 ص 51.

Publicité
Publicité
Commentaires
Publicité