Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
Publicité
Archives
Derniers commentaires
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
12 octobre 2012

أيهما أخطر، مضمون الفيديو أم رسالة التسريب؟

أيهما أخطر، مضمون الفيديو أم رسالة التسريب؟

 

الحدث أو العملية أو السياسة أو الفكرة لا تقاس قيمتها من داخلها وإنما من خلال النتائج المنجرة عنها. هذا تعريف تقريبي للبراغماتية (الذرائعية) وهي فلسفة أمريكية غالبا ما تغالي الأدبيات التونسية و العربية في خلطها مع المنوال التجريبي والميداني والعملي. وهو خلطٌ تبرز خطورته الآن بالذات على إثر تسريب الشريط المتضمن لخطاب راشد الغنوشي أمام جمعٍ من السلفيين. لنرَ المسار الذي قد يبيّن صحة هذا الاستنتاج ولنرَ أين تكمن الخطورة. 

لقد شهدت تونس في الماضي القريب و على امتداد أشهر نوعا من الصراع المشبوه بين حزب حركة النهضة وبعض فصائل السلفية. ومهما يكن من أمر فالمهم ليس الحسم في وجود تواطؤ بين اللونَين الإسلاميين من عدمه (فذلك بات يقينا قبل تسريب الفيديو الحدث)، بل الأهم استخلاص العبرة من المحصول الحاصل كنتيجة لاحتكاك الطيفين الاثنين ببعضهما البعض وذلك على محك تسريب الشريط الحدث. في هذا المستوى تبرز قيمة الشريط المسرب والذي شوهد فيه رئيس حركة النهضة يتحدث إلى بعض القادة السلفيين ويتجاذب معهم أطراف حديثٍ مركزُه "الشريعة" من بين محاور هامة أخرى. وفي هذا السياق يمكن اعتبار الشريط محصولا حاصلا لِما آلت إليه العلاقة بين الطيفين الإسلاميين الذي يجمع بينهما الشريط. لكن ما هوالأهم، مضمون الفيديو أم منهجية تسريبه؟ 

للإجابة نصرّ على أننا لا نعتزم التعرض إلى مضمون الشريط أو تحليله ولا البحث عن مدى تورط راشد الغنوشي في مناصرة المشروع السلفي من عدمه. لو فعلنا ذلك لحكمنا على أنفسنا بتوخي التكرار الممل، طالما أنّ المادة المسرّبة نالت ما يكفي من التحليل والتعليق. لكن عوضا عن ذلك، حريّ بنا أن نتوقف عند التوقيت الذي سُربت فيه المادة ومن ثمة سنحاول استقراء المنهج التسريبي نفسه علَّنا نعثر على رسم معيّن أو سياسة معينة يشترك فيها الفصيلان الإسلاميان، المجتمِعان في مكتب رئيس حركة النهضة، أو تشترك فيها "النهضة" مع طرف آخر. 

لهذا الغرض نبدأ بالتذكير بأنّ الشريط المعني متوفرٌ على المواقع الاجتماعية منذ الربيع الماضي إجمالا ثم نتساءل: لماذا أثار الشريط استنكارا وتنديدا غير مسبوقين الآن ولم يثر أية ردة فعل تذكر إبان نشره للمرة الأولى؟ بكلام آخر ما الذي حدث في الأثناء، في الحراك الجامع بين الحساسيتين؟ للإجابة نقول إنّ ما حصل من الناحية الحركية أنّ السلفية قد استكملت استهلاكها تقريبا لكل مبررات وجودها. وكان الختام "مسكا" في "غزوة السفارة" في يوم 14 سبتمبر. أما الدليل على كون الاستهلاك كان نهائيا فهو تنصّل "النهضة" من كل مسؤولية عما حصل وكذلك من كل التزام بحماية قد ينتظرها منها السلفيون، بصفتهم مقترفي الهجوم على السفارة الأمريكية. كما أنّ "الغزوة" في الآن ذاته مكّنت "النهضة" من التحرر من العقدة السلفية إن صح التعبير، أي أنّ رموزها لم يعودوا يشعرون بلزوم التكتم على العنف السلفي. ثم إنّ هذا التحرر هو الذي آل إلى إرادة التحرر أيضا من شيء آخر ألا وهو الرقابة الذاتية التي كانت تكبّل القادة النهضويين بخصوص شكوك الرأي العام في كونهم يتحركون بكل تكامل مع السلفيين. أي أنّ النهضة لم يعد يهمها إن كان الرأي العام يدرك تواطؤها مع السلفية بقدر ما يهمها كثيرا وبصفة مُلحة جذب السلفيين نحو بوتقة مستحدثة، كما سنرى لاحقا. وهذا ما قد يؤيد الفرضية القائلة بتعمد تسريب الفيديو من طرف النهضة تحديدا. 

 وإذا اتبعنا هذا المنطق سنكتشف أنّ التسريب قد أضفى، أو قد أريد له أن يضفي، معنًى جديدا للشريط المسرب غير ذي المعنى الذي كان ينطوي عليه إبان نشره لأول مرة. والمعنى يتشكل هذه المرة في ضوء المستجدات السياسية وعلى الأخص في حادثة السفارة. فعند إطلاق الفيديو في الربيع الماضي لا أحد كان مهيئا لتقبل كلام الغنوشي الذي توجه به إلى السلفيين على أنه مثيرٌ للغضب كما هو الشأن إبان التسريب الحالي. بل قد يكون خطاب الزعيم النهضوي قوبل آنذاك بمثابة صنيعة أي على أنه مثالٌ في الصدق بما يتضمّنه مِن انسجام في الخطاب الإسلامي الداخلي ومِن حرصٍ مشترك على أسلمة الدولة والمجتمع، ولو كان المتقبل غير راضٍ عن المنظومة بأكملها (فقبول التعرف على التواطؤ لا ينفي رفضه، مع السكوت عنه إلى حين). وبالتالي يتمثل تبديل معنى الفيديو اليوم في تبدّل الموقف الأمريكي من حزب النهضة ومن رموزها. وأصبح المعنى يتضمن هذه المرة تذكيرا مغشوشا بصدق زعيم حركة النهضة وذلك ابتغاء اصطياد عصفورين بحجر واحد: من جهة محاولة (تكتيكية) لتبرئةٌ ذمة النهضويين إزاء السلفيين ومغازلة هؤلاء لأولئك من جديد في ظرف ينذر بالقطيعة بين الطيفين الإسلاميين، ومن جهة أخرى ترسيخٌ غريب لرأي راسخٍ بعدُ لدى خصوم النهضة ولدى الرأي العام، وهو الرأي القائل بسلفية حزب حركة النهضة وتواطئها مع رموز وقيادات السلفية الجهادية، بل وبحرصها المشترك مع السلفيين على تطبيق الشريعة، من بين أشياء أخرى. وهذا المنهج الترسيخي هو الذي من المفروض أن يدعو الرأي العام إلى التأمل والحذر الشديد. فهل حدثَ ارتداد في الرأي العام بخصوص تواطؤ "النهضة" مع السلفية حتى يأتي مَن يُعيد ترسيخه؟ سيما أنّ راشد الغنوشي بنفسه يحرص على اعترافٍ (دعائي)  بصحة مضمون الشريط المسرب (تصريحه في نشرة الأنباء في ليلة 11-10-2012 وفي برنامج خاص أعدّ ليلتها بالمناسبة). إنّ الخطر يكمن مبدئيا في طبيعة هذا المنهج التسريبي والمرسِّخ لحقيقة معلومة، وهو بصفته هذه، منهجٌ مكيِّفٌ لإرادة الشعب ومنافٍ لمبادئ الثورة لأنه يدعم الجانب الإيديولوجي على حساب الجانب السياسي والاجتماعي الذي تجسمه الثورة، واستفزازٌ لمناصري النمط المجتمعي التقدمي. فيبقى المنهج بالمحصلة مكرسا لإرادة حزب حركة النهضة دون سواها ولنمط الدولة الدينية دون سواها. 

ومن هنا نأتي إلى الخطر الأكبر. فمن أين لحزب النهضة اللجوء إلى مثل هذا المنهج في التعامل مع المعلومة وبواسطتها؟ ومَن الذي قد يكون وراء الرغبة في ترسيخ حقيقة معلومة ضمنيا حتى تصبح ذائعة بكل مباشراتية؟ فحزب النهضة الذي لم يكن قادرا على امتداد الأشهر العشرة التي قضاها في الحكم على تركيع الأهالي في عديد الجهات لمّا أراد فرض المعتمدين والولاة عليهم، من أين له أن يستنبط منهجا للتسريب جديرا بالـ"ويكيليكس"؟ اللهم إلاّ إذا كان الذي فعل الفعلة طرفٌ يعتبر نفسه ضالعا في مجريات الأحداث و معنيا بالنتائج التي قد تفرزها هذه الأحداث، بما فيها حدث التسريب نفسه، مما لا يستبعد الفرضية القائلة بضلوع الطرف الأمريكي، وهو المعني وبدرجة عالية، بالمجريات الأخيرة بالنظر إلى واقعة  السفارة وبالنظر إلى الإطار العام للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي صورة عدم صحة هذه الفرضية، قد تصح فرضية استلهام "النهضة" للمنهج من عند الأمريكان وبالتالي تتأكد فرضية تعمد هذا الحزب تسريب الشريط مؤخرا لتأكيد موالاته للسياسة الأمريكية مقابل سكوت القوة العظمى عن مساعي "النهضة" لإقامة دولة دينية ملتحية. 

وفي كلتا الحالتين أليس المنهج حمّالا لروح الفلسفة والسلوك الأمريكيين المسمى بالـ"البراغماتية" (الذرائعية)، وأليست "النهضة" شريكا للولايات المتحدة بما يلوّح بالتشارك معها حتى في المناهج وأساليب العمل والتحرك السياسي، بما فيها الذرائعية؟ أليست الرسالة التسريبية تقول ضمنيا: "نحن حزب النهضة وأمريكا نعلن أنكم يا معشر السلفيين منضوون جهرا ابتداءً من الآن تحت لوائنا. فلا يمكنكم نقض هذه الحقيقة طالما أنّ كل الشعب يملك الدليل (الشريط) على أنكم تبحرون على نفس الموجة مع حزب النهضة. فاحذرونا يرحمكم الله." 

بكل المقاييس، وبصرف النظر عن صحة مضمون الفيديو من عدمها، من الأرجح أن يكون توقيت التسريب هو التجسيد الوقح للخطر الأكبر. وبالتالي نحن أمام فتيلة موقوتة تكمن خطورتها في ممارسة البراغماتية لا فقط على طيف السلفيين، الذي لا يمثل إلا نسبة ضئيلة من التونسيين، لكن على الشعب التونسي بأكمله، مجتمعيا وإعلاميا، وبأيادٍ سياسية أهلية. وهو المنهج الخطير الذي طالما احترزنا على استهلاكه بصفة اعتباطية ولاواعية في مجتمعنا (مقالنا "الصراع بين الشريعة والذريعة"، منشور على المواقع الالكترونية). فالمنهج التسريبي ذرائعيّ بامتياز إذ إنه يهدف لا فقط إلى تطبيع التونسيين مع الشريعة كوسيلة للاستبداد بالمجتمع، ومع مَن يريد تطبيقها، ومع مَن يرغب في ممارسة الاستبداد بالشعب، وإنما أيضا، وهو الأدهى والأمرّ، إلى تطبيعهم مع وسيلة خبيثة تزيّنُ لهم الاستبداد "الشرائعي" شريطة أن لا يمسّ هذا الأخير مصالحَ الدولة الأعظم بأيّ سوء. 

محمد الحمّار 

 

Publicité
Publicité
Commentaires
Publicité