حوار وطني بلا صحتفة رأي؟

حوار وطني بلا صحافة رأي؟

وكأنّ الأقدار تسخر من التونسيين لكي لا نقول إنّ قادة الرأي وأصحاب الجاه والمال في تونس يسخرون من الشعب. وإلا فكيف يتسنى لبلدنا ولأيّ بلد في العالم يريد شعبُه أن يصدّق أنه قام على الأقل بما يشبه اندلاع ثورة، كيف يتسنى لهذا البلد أن يصدّق أنه سينتقل إلى نظام حكم ديمقراطي والحال أنّ الساحة الفكرية والإعلامية تكاد تكون خالية مما يسمى بصحافة الرأي وعلى الأخص في فترة حساسة مثل الفترة الحالية التي ينعقد خلالها حوار وطني من المفترض أنه واحد من أخطر الفعاليات عبر تاريخ تونس المعاصر؟       

فالمعلوم عن صحافة الرأي أنها تقوم بوظيفة المزوّد بالأفكار للنخب المثقفة لكي تتناقلها وتنقدها وتطورها وتنتفع بها في ما بينها، وكذلك بوظيفة المرشد للطبقة السياسية التي من شأنها أن تتبنى ما يصلح من الأفكار المقترحة لخوض غمار عملية صنع القرار السياسي.

و بالرغم من العدد الهائل من الصحف الورقية التي نراها في الأكشاك يوميا وبالرغم من تكاثر الجرائد الالكترونية عدة أضعاف مقارنة بالفترة ما قبل 17 ديسمبر-14 جانفي 2011، إلا أنّ محتوى هذه الصحف كثيرا ما يكون أقرب للإعلام بالحدث منه لتحليل الحدث. وحتى إن حضر التحليل فعادة ما يكون هذا الأخير ذا صبغة إجرائية وأداتية لا تطال الوجود الإنساني للمواطن التونسي بعقليته و بوجدانه وبتقاطع مع الواقع السياسي والواقع المعيش.

 وهذا مما ينمّ على أنّ التحاليل السياسية، إن وجدت، مكبلة بضوابط حزبية وإيديولوجية لا بضوابط فكرية سيما تلك المرتكزة على علم السياسة فضلا عن لزوم ارتكازها على علوم الإنسان والمجتمع. وهذا ما يدفعنا إلى القول إنه لمن باب الضحك على ذقون الناس أجمعين أن تزعم اليوم جهةٌ محلية ما أنّ في تونس صحافة رأي.

بالنهاية نستنتج أمرين اثنين:

 إما أنّ المال والجاه قد غلبا المعنى والمبدأ وبالتالي فنحن قادمون على نظام استبدادي باسم فتنة المال والجاه، وفي هاته الحالة يتوجب على الإعلام وعلينا كلنا أن نكف عن سحب الاستبداد فقط على المتأسلمين وأن نعتبره استبدادا ذاتيا.

وإما أنّ للشعب قولٌ آخر لم يفصح به بعدُ، وفي هاته الحالة فليُسَخر أصحاب المال والجاه ممن هم أقل تسلطا من غيرهم قسطا من ثروتهم ونفوذهم لفائدة تطوير قطاع الفكر، ولا نقول قطاع الإعلام فحسب، ذلك أنّ وجود فكرٍ بوصفه مصدرا لمادة الرأي عادة ما يكون سابقا لوجود صحافة تعتني بهذا الفكر.

محمد الحمّار