Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
Publicité
Archives
Derniers commentaires
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
23 avril 2014

كيف يتحرر الإسلام من زنزانة الحزب الديني؟

 

كيف يتحرر الإسلام من زنزانة الحزب الديني؟

 

خصصنا حلقة أولى من هذا البحث لتقييم التجربة الإسلامية الحزبية وخلصنا إلى أنّها لم تفِ بوعودها، وأنّ تحديات المرحلة تتطلب أن تنتقل الفكرة الإسلامية من قفص الحزب المركّز على الدين لتذوب في رحاب المجتمع السياسي بتمامه وكماله، وأنّ هذا المنهج الاندماجي سيجسد المعاني الأصلية للإسلام على غرار استيعاب الاختلافات الفكرية والإيديولوجية والمذهبية من أجل تحقيق حدّ أدنى من الوحدة المجتمعية وتسهيل عملية التغيير السياسي والتقدم الاجتماعي.

 

وكان موضوع الحلقة الثانية محاولة كشف النقاب عن موقف الإسلام السياسي من الفلسفات الأوروأمريكية، وقد قادنا البحث إلى أنّ للإسلاميين تصور خاطئ للعمل السياسي الإسلامي. فانجرّ عن هذا الخطأ حبس الإسلام في زنزانة الحزب السياسي. فأسفر عن هذا التحزب الديني انزواء فكري للإسلاميين تجسد في نكرانهم للفكر الكوني ولنظرياته ولفلسفاته وفي عدم قدرتهم على استخدام هذا الفكر العالمي كوسيلة لتطوير الفكر الإسلامي.

 

أما موضوع الحلقة الحالية فيخص كيفية التوظيف الناجع للإسلام لكي يتحرر من زنزانة الحزب الديني ويستعيد حركته الطبيعية فيكون محركا صالحا لدخول المجتمع العربي الإسلامي العصر من الباب الكبير.

 

* من أزمة المضمون إلى أزمة المنهج

يا ترى أيّ السؤالين التاليين يصح أكثر من الآخر بشأن صياغة مقاربة بديلة عن الفكر الإسلامي المتحزب دينيا:"ماذا يتوجب على التحزب الديني أن يفعله للاهتداء إلى منهج قويم؟" أم "ماذا ينبغي أن يفعله المجتمع (المدني) لكي ينجز ما فشل الإسلام الحزبي في إنجازه؟" للإجابة أعتقد أنّ السؤال الثاني هو الأنسب. ذلك أنّ التنوع الذي يكفله تشريك مجتمع بأكمله في صياغة الفكر الجديد إنما هو الشرط الضروري لجواز ممارسة الإسلام في السياسة. مع هذا فلا يجوز في اعتقادي أن تتم المزاوجة المجتمعية إسلام/سياسة بمنأى عن المعالجة العلمية للإشكالية لأنّ العلم هو الذي سيوفر البنية الأساسية التي سترتسم انطلاقا منها ملامح الفكر الجديد من أفكار و آداب وسلوكيات تكون بحوزة عامة الناس، وذلك على إثر انقضاء فترة المخاض. فكيف يتمّ ذلك؟

ما من شك في أنّ بحوزة المجتمع مداخل نظرية وعلمية عديدة ومتنوعة ومتكاملة، كافية لتأسيس مقاربة فكرية و سياسية تستبطن المصالحة بين السياسة و الدين وتهدف إلى التقدم العلمي و الرقي الاجتماعي والنهوض الحضاري. والمداخل متوفرة في كتب الأكاديميين وعلى أعمدة المجلات وعلى مكاتب الجامعيين. إلا أنّه من المضحكات المبكيات أنّ تأبيد حالة التصحر البيداغوجي بوصفه عقبة أمام  تشكيل مثل هذه المقاربة التنفيذية للمشروع العلمي والاجتماعي والحضاري قد تسبب في طمس الحقيقة المتمثلة في وجود صلة وثيقة بين الدين والسياسة. فبمقتضى هذا الفقر المنهجي أصبح المجتمع مقسما إلى إسلاميين وعلمانيين وصار هؤلاء يتشدقون بشعار "الدين مسألة شخصية" ليتهموهم خصومهم الإسلاميون بأنهم أعداء الدين، والإسلاميون ينافقون أنفسهم برفع شعار "الدولة المدنية" قبل أن يتهمهم منافسوهم بازدواجية الخطاب. وذلك عوضا عن تفرغ الجميع للبدء في تنفيذ مشروع الرقي والتقدم.

 إنّ هذا يعني أنّ المقاربة التنفيذية قد تعطلت وأنها رهنٌ بتأسيس المقاربة المنهجية لا بديلا عنها مثلما نسجله من خلال مختلف أوجه الحراك الفكري والسياسي ومن خلال العقم الذي يسم هذا الحراك.

 نموذج للمنهج التأليفي*

في حقيقة الأمر وبخصوص هذا العوز المنهجي، أعتقد أنّ بإمكان الفكر الإسلامي أن ينجز انبعاثا داخليا و ذلك بحيازة الخيط الرفيع الذي يربط  بين مناهج "الوصل والفصل" (م.ع. الجابري) و "القبض والبسط" (عبد الكريم سروش) و"حياة التفكير" (الطاهر الحداد) و "المقاصد" (الطاهر بن عاشور وغيره) و "العلوم الحكمية" (الفاضل بن عاشور) و تحرير "الرسالة" الإسلامية (مالك بن نبي) و التوفيق بين "مشروعية الماضي ومشروعية الحاضر" (حسن حنفي) و التمييز بين "الدين والتديّن" (احميدة النيفر وغيره) و "الثابت والمتحول" (أدونيس ومرتضى المطهري وغيرهما) و "توليد الواقع" (عبد الوهاب المسيري).

وبصرف النظر عن الحاجة الرابطة بين نظريات هؤلاء المجددين في الفكر الديني الإنساني، ألا وهي الحاجة لقراءة تاريخية وتجريبية وعقلانية للإسلام (وهي حاجة تلاشت إلى حين، وذلك بمفعول الانحراف المنهجي، وأجلت العناية بمضامين التقدم)، من الواضح أنّ الذي يعوق تلك المصادر النظرية لخِيرة مفكري الإسلام المعاصرين ويحُول دونها والتجمع في شكل طريقة مندمجة للتفكير الجماعي ومتأصلة في النسيج الفكري للمجتمع هو غياب التصور التأليفي المنبثق عن نخب مفكرة أخرى مختصة _ في غير اختصاص هؤلاء المنظرين_ من تزويد المسلمين بمثل هذه الطريقة المركزة المنشودة.

* أسباب الإخفاق في التأليف

 إنّ عوامل عديدة حالت دون تحقيق التأليف بين مكونات الفكر الإسلامي المعاصر وهي التي يمكن حصرها في العوامل الثلاثة الآتية: أولا، لأنّ الذي عني بمسألة صياغة البديل الحضاري عن الفكر الغربي لم يكن المجتمع بمختلف نخبه وإنما انحصر الأمر في الإسلام السياسي المتحزب دينيا. ثانيا، لأن التعرف الدقيق على مكونات التيارات الفكرية ذات المنشأ غير الإسلامي ومعرفتها والاعتراف بها لم يتحقق. ثالثا، لأنّ الإسلام السياسي المتحزب دينيا حكم على نفسه بالفشل، لا فقط لمّا أنكر صلاحية هذه المعرفة، لكن أيضا وبالخصوص لمّا قدّم نفسه من جهة على أنه هو الممثل الوحيد للفكر الإسلامي، ومن جهة ثانية على أنه هو البديل الحضاري عن الفكر الغربي.

 بالمحصلة، كان الإسلام السياسي المتحزب دينيا هو العائق الأكبر أمام تلبية شروط التأليف الفكري لمشروع حضاري جديد. كيف لا تحصل هذه النكبة حين نعلم أنّ الإسلام السياسي المتحزب دينيا قدم نفسه على أنه حلٌّ لمشكلة بينما هو مؤشرٌ على وجود هذه المشكلة؟ أما المشكلة فهي الأزمة العلمية _ المنهجية والابستمولوجية تحديدا_ والتي قد يكون المتسبب الرئيس في تناميها واستشرائها صدمة الحداثة في المجتمع المسلم وما أسفرت عنه من تفرقة خاطئة بين الإسلام والعلم، والذي لا يكفي هذا الحيّز للتوسع بشأنها.

* بين الحُلم المضاد  و الحُلم

على أية حال، لكي يتم تجاوز الأزمة المنهجية أعتقد أنه ينبغي توسيع الفكر الإسلامي. ولا يمكن الحديث عن مضامين مشروع مجتمعي تقدمي قبل هذا التوسيع. ويحصل التوسيع بانفتاح المجتمع بأسره على الفكر الكوني من جهة وعلى الفكر الإسلامي المعاصر الذي بات مهمشا بسبب اكتساح الإسلام السياسي المتحزب دينيا للساحة الفكرية والسياسية والإعلامية كلما كان الموضوع متعلقا بمسألة "كيف نتقدم". حينئذ يكون الحلم ببديل حضاري "إسلامي" (بالمعنى التاريخي) عن المشروع الغربي السائد أمرا مشروعا للمجتمع العربي الإسلامي كافة، لا حكرا على طرف دون آخر أو خلطا بين حلم نائم وحلم يقظ أو استبدالا لحلم نائم مكان حلم يقظ، كما سنرى.

إنّ التحزب الديني بمثابة تمثُّلٍ لحلمٍ نائم أكثر منه تمثُّلٌ لحلمٍ يقظٍ من شأنه أن يكون مبعثا على الحركة الهادفة والناجعة. وربما ينطبق عليه ما قاله سيغموند فرويد عن الحلم النائم، مما يستميلني لتعريف التحزب الديني بأنه "تحقيق مقنّع لرغبة مكبوتة". بهذا المعنى يتضح أنّ تشبثَ الحزب الديني بالحلم النائم قد حمَل هذا الحزب على أخْذ شروط الحلم النائم على أنها نفس شروط الحلم اليقظ الحمالة لبذور التجسيد في الواقع. فكانت النتيجة أن تحوّل الحلم النائم، على عكس كل السنن والنواميس، إلى واقع ملموس ولكنه بطبيعة الحال واقع هجين: كوارث واقعية (سياسية واجتماعية واقتصادية ومالية وأمنية وغيرها) تجسدت في مشهد فوضوي شبيه برؤيا الحلم المزعج أكثر منه بمشهد لكارثة معروفة ولو كانت هذه الكارثة اسمها الزلزال أو الحرب.

في ضوء هذا إنّ المطلوب إنجازه اليوم كتهيئة لحسن استخدام نظريات المفكرين الإسلاميين المعاصرين حتى لا يذهب كلامهم سدى هو الوعي بأنّ الرغبة في توظيف الدين الحنيف في السياسة بما يكفل التقدم العلمي والرقي الاجتماعي والنهوض الحضاري إنما هي حلمٌ لكن يشترط أن تكون حلما يقظا لا حلما نائما. حينئذ ستتضح الرؤية بشأن مكونات هذا الحلم ومنه سترتسم أدوات تحقيق الرغبة، لا سيما أنّ العلم الحديث قد أثبت أنّ لـ"الصورة المستقبلية" السبق على "الفكرة المشَكِّلة للحاضر" (نظريات إيليا بريغوجين في الفيزياء وفي الفلسفة بخصوص "سهم الزمان").

مع العلم أنه لا يمكن أن تؤسس نخبنا المشروع العلمي والاجتماعي والحضاري من دون تأسيس خطة منهجية لتوحيد الفكر، أعني مشروعا منهجيا يهيأ أسباب تشكل المشروع الحياتي. وإلا من أين ستأتي المكونات الضامنة لتشكّل المشروع الحياتي مثل التعددية واحترام حق الاختلاف وغيرها من الحاجيات حين يبقى كل طرف متشبثا بقراءته هو للحياة دون غيرها من القراءات؟

* من صياغة المنهج إلى صياغة المشروع

ثم إنّ هذا الوعي _بأن الحياة الإسلامية حلمٌ يقظٌ محررٌ لملكة الاهتداء إلى مقاربة حضارية بديلة عن المقاربة الموجودة_  يستوجب من بين أشياء أخرى تصحيح الرؤية إلى علاقة الإسلام بالحياة عموما وبالتالي إلى علاقة الأفكار والقيم الإسلامية بالمذاهب والمناهج والتيارات والمدارس العلمانية_  بما فيها الديمقراطية_  التي أنشأها غير المسلمين. ويلبَّى هذا الشرط بعد التعرف على الزاد المعرفي والعقدي لشعوب بقية العالم والاعتراف بها و معرفتها. حينئذ سيتضح أنّ الإسلام ليس مطالبا بأن ينتج إسلاما وإنما أن يستعيد مهمته الأصلية بصفته منهجا يُسهل لمعتنقيه توليد أسباب الحياة الكريمة وذلك بفضل بناء المعارف والعلوم والمفاهيم والسلوكيات الإنسانية المناسبة لتحقيق ذلك الهدف المؤدي بدوره إلى تحقيق غاية عبادة الله جل جلاله.

 بكلام آخر، إنّ المسلمين ليسوا مطالبين بتقليد الاشتراكيين أو الشيوعيين أو الوجوديين أو الليبراليين أو غيرهم وبنقل أفكارهم ومناهجهم، لا مجزّأة ولا بحذافيرها، بل إنهم مطالبون بالاستفادة من تلكم المناهج و الأفكار باتجاه اكتساب الكفاءات اللازمة لتأسيس نظريات منطلقة من الذات، تكون منبثقة عن كونهم مسلمين، ومن ثَم إطلاق أسماء مستحدثة عليها _ بحسب حداثة كل فكرة وكل نظرية _ كيفما يرونه صالحا ومتناسبا مع شخصيتهم وهويتهم وذاتيتهم، وبالتناسب أيضا مع الكون الذي هم شركاء مع سائر الشعوب في الانتماء إليه.

هكذا بإمكان الإسلام اليوم أن يسهم في تنوير عقول العباد المنتمين إليه حتى تصوغ هذه الأخيرة العديد من المذاهب المعرفية المستحدثة التي تنخرط في الحراك العام الذي يستهدف غاية التقدم والرقي، تماما مثلما كان للإسلام في الماضي مذاهبه المعرفية والمتجسدة في شخصيات من الحكماء و العلماء الأفذاذ على غرار ابن سينا وفكر "الإنسان الحكيم" ضمن المدرسة العقلية، والحسن البصري وأبو حامد الغزالي و محي الدين ابن عربي ضمن المدرسة الصوفية، و عبد الرحمن ابن خلدون ضمن المدرسة التاريخية والاجتماعية، وغيرهم من جهابذة العلم والمعرفة والحكمة.

و حتى من منظور مقارن وباعتماد تاريخ الأفكار المعاصرة في الغرب المتقدم سيتبين لنا أنّ بمقدور الإسلام أن يؤدي مهمة تحويل الأفكار والمعارف الناشئة أوروبيا وأمريكيا إلى أفكار ومعارف بل إلى تيارات يتحكم بها المسلمون ويروّجون لها ويطوّرونها باستمرار. في هذا السياق المقارن، نعاين أنّ العولمة _ مثلا _ لم تكن موجودة لمّا نشأت الليبرالية الاقتصادية. لكن الليبراليين بمعية الرأسماليين طوروا مناهجهم حتى أصبحوا قادرين على التوصل إلى ابتعاث العولمة. ومن زاوية مختلفة نرى كيف كانت الشيوعية سابقة للعولمة ومع هذا فإنّ الكثير من المجتمعات الشيوعية قد تحولت اليوم إلى مختبرات للعولمة. هكذا بإمكان الإسلام، وما أدراك ما هو، أن يؤدي مهمة استيعاب الثقافات ونحت أشكال من الكونية والعالمية تتسم بأكثر إبداع وبأكثر عدل واعتدال وبحكمة وحوكمة أفضل من أشكال الفكر الكوني العولمي الراهن.

*الخاتمة

 نخلص إلى أنه إذا توفرت الطريقة البيداغوجية التي تخوّل للمجتمع _ أسرة ومدرسة وشارعا_ الاستفادة من كل مصادر الفكر الشامل من دون إقصاء (ذاتي) لمصدرٍ بعينه لفائدة مصدر آخر، ومن دون تفخيم لمصدر للفكر الإسلامي على حساب مصدر آخر، ستتضح الرؤى وتتبلور التصورات سيتحرر العقل المجتمعي للمسلمين وتنمو مداركه وتُصقل مهاراته ويملأ الفكر بالمضامين الأصيلة والمتناسبة مع حاجيات المجتمع. حينئذ لن يكون هنالك عائقا أمام سياسة المسلمين لكي تكون رافدا من أهمّ روافد التطور المعرفي والعلمي المنشود، بوصفها انعكاسا لتحضر المسلمين. وعندئذ، هل سيكون هنالك مشاهد كارثية وأحلاما مزعجة قطّ ، طالما أنّ مصفاة الإسلام ومُحولاته _ العقلية والمعرفية والعلمية_ شغالة على مدار الساعة في حياة المسلمين بالإضافة إلى فضل العقيدة لمن أراد أن يزاوج العقل والعقيدة؟

محمد الحمّار

Publicité
Publicité
Commentaires
Publicité