من العصا إلى الحصى
من العصا إلى الحصى
"اقرأ". هذه ليست كلمة القرآن الأولى. يا ليتها كانت كذلك."اقرأ و إلاّ انهلت عليك ضربا بهذه
العصا"؛ كان هذا كلام "سيدي المدّب" (المؤدّب) رحمه الله، ولست بذاكر لهذا الكلام من باب
السخرية أو النقمة أو الرغبة في الإنتقام من أناس فعلوا ما كان في وسعهم أن يفعلوه لتأديبنا
وتعليمنا القراءة والكتابة و القرآن العظيم.
إلاّ انّي كم أود أن نستخلص العبرة، ليس من ما فعلته فينا العصا من خير، ولكن من ما خلفته
لنا من شر. فلمّا نقول إنّ للعصا شرّ لن نقف عند المؤدّب بل قد نحتاج للحفر في كامل الثقافة
التي ترعرع فيها جيلي والأجيال التي سبقت جيلي. وسوف نتذكّر أن الأب كان يؤمن بمبدأ
"العصا لمن عصى" ولا يكتفي بذلك بل يمرّر السلاح طبعا إلى المؤدّب و إلى الجار و إلى
المعلّم و إلى "كبير الحومة" و إلى غيرهم.
فلا أدري إن كنّا في نهاية المطاف أصبحنا "رجالا" بفضل العصا من بين أشياء أخرى أم أنّنا
كناّ نحن وأخواتنا البنات نكون أكثر"رجولة" (من باب الإستعارة وليس من باب التفسير
القضيبي) لو استعمل معنا هؤلاء المربّون وسائل أكثر تطوّرا، إمّا لإصلاح ما تفسده العصا أو
لتعويضها أصلا. ولكنّي أقدر الجزم بأنّ فهمي للإسلام ، وهو موضوعنا الأساسي،أساءت إليه
العصا أكثر ممّا أحسنت إليه.
قد تكون العصا وضعتنا على سكّة الإيمان بالتقليد و ما يتطلّبه من تقديس للقرآن الكريم ومن
حفظ لآياته عن ظهر قلب. ولكن من المستحيل أن تكون قد ساهمت لا من بعيد و لا من قريب
و لا من بعيد في إيصال رسالة الإسلام نقية و سليمة وكاملة إلينا. لآ فقط في تونس بل في كافة
الأصقاع أين ألإسلام يعدّ أوّل الضروريات، قبل الماء و الخبز أحيانا.
لننظر بكل مسؤولية إلى بعض الصّورمن الوجود العربي : أليست الطائفية تنهش ضمائر
المؤمنين في العراق؟ أليس الجهل سيّد الموقف في أفغانستان؟ ألم تبلغ العقلية الغيبية و السحريّة
و التواكلية في بعض البلاد العربية أعلى مراتب الاستفحال؟ أتحرّرت فلسطين؟ ألم نصبح
نضرب بعضنا بعضا بالدين؟
شهادتان اثنتان تغنياني عن كل تعليق آخر بخصوص مفعول العصا العكسي : حصى "أطفال
الحجارة" في فلسطين الحبيبة وهي خير ما استهلّ به شباب عربي القرن الجديد مناداة باستقالة
عقول الكبار، وقوارير( ومفاتيح و قطع النقود) التي يقذفها" أطفال الملاعب" عندنا في كل مرة
يلتقي جمعان في الكرة. فأطفال الملاعب،مثل أطفال الحجارة ولا أدري من قد تديّن بعد بنفس
عقيدة جدار الصّد، إنما ينادون : " كفانا عصا،فلم نعد نفهم كيف نفهم."
محمد الحمّار