Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
Publicité
Archives
Derniers commentaires
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
8 octobre 2012

ما هو البديل عن السلفية؟

salafisما هو البديل عن السلفية؟

باقتراب موعد 23 أكتوبر المثير للجدل تزداد المؤشرات تأكيدا على فشل حكومة الترويكا في عملها بقيادة الحزب ذي المرجعية الدينية، أكثر من تأكيدها على إمكانية التدارك. فبالرغم من أنّ هذه الحكومة ائتلافية، إلا أنّ غلبة اللون الديني عليها، كسابقة في التاريخ السياسي للبلاد، يُعدّ في رأينا العامل الأساس المسؤول عن اهتزاز الأرضية السياسية العامة بالبلاد وعن ارتجاج العقل السياسي فيها. والأدهى والأمر من فشل الحكومة أن تصبح طلبات الشعب الثورية من حرية وكرامة وغيرها خالية من الدلالة الحقيقية وذلك بالرغم من أنها بديعة ومشروعة. وهي كذلك لا لأنها بالية ومتكررة، ولا لأنها مستحيلة التحقيق أو مجحفة أو تعجيزية، بل لأنّ منهاج تحقيقها حاضر بغيابه. فالمجتمع يفتقر إلى الوسائل المنهجية السانحة للنضال من أجل تحقيق أهداف نبيلة إلى درجة أنّ ذلك الفقر صار ينزل بكل ثقله على الطلبات نفسها، مما يُشوّش على العقول ويشكك حتى في الأهداف. لماذا كل هذا الارتباك في الاهتداء إلى المنهاج الثوري القويم؟ نفترض ببساطة أنّ السبب يكمن في أنه قد تم "الركوب" على الثورة، ولو أنّ "الركوب" لم يكن متجسدا في الابتعاد تماما عن الأرضية الثورية، وإنما يتجسّد في كوننا لم نعُد متشبثين بهذه الأرضية بواسطة القدمين الاثنتين، أو ربما لم نطأ هذه الأرضية أبدا بالاثنتين معا، كما سنرى. فما هو العامل الرئيس المتسبب في حدوث مثل هذه الزلة الخطيرة؟ وما هو البديل المنهجي الذي من شأنه أن يسهم في تخطي عقبة 23 أكتوبر وفي التقدم بالبلاد إلى المرحلة الانتقالية الموالية بنجاح؟

يأتينا الجواب من مجابهة مقولة نعتبرها مثيرة للجدل ألا وهي "فصل الدين عن السياسة" ومن تفرعاتها على غرار " التصدي لكل أشكال التوظيف السياسي للدين ". فمطلب الفصل مثير للجدل لأنه صائب بقدر ما هو مخطئ. وفي بطانة هذه المفارقة يكمن اللغز بخصوص الزيغ المنهجي. إنّ البيان صائب إذا اعتبرنا أنه قد تم فعلا توظيف الدين في السياسة، أولا بالترخيص لحزب النهضة الديني، ومن بعده حزب التحرير وأحزاب سلفية أخرى، في النشاط العلني. وجل الناس يعلمون أنّ فوز حزب النهضة بالأغلبية النسبية في انتخابات 23 أكتوبر يعود بالخصوص إلى كونه حزبا دينيا. كما أنّ الدين يتم توظيفه بين الحين والآخر من قِبل أطراف خفية وأخرى مكشوفة إلا أنها فاعلة سلبا في المجتمع بحُكم خطابها المبسّط بدعوى بساطة الدين الحنيف. وهذه الأطراف تلجأ إلى أنماط خطيرة من توظيف الدين في السياسة رغم أنّ الأنماط تختلف عن بعضها البعض في درجة الخطورة. وتكمن خطورة  التوظيف في كونه يكرس الانقسام والفرز في داخل المجتمع السياسي، ويتسبب في حيرة المجتمع ككل.

 والمطلب مخطئ لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار أنّ توظيف الدين في السياسة قد تم فعلا وهو من المحصول الحاصل، لذا فالأجدى بالعقل المجتمعي أن يسايره لا أن يقصي العمل به. فالإقصاء هو الذي كان من قبل قد تسبب في تنامي ظاهرة الإسلام السياسي وكذلك السلفية بأصنافها. فالأحرى بالنخب المثقفة أن تفكر في مكانة الدين الطبيعية وفي دوره الطبيعي إذا اعتبرنا مشروعية رفض أن يُمزج الدين بالسياسة. وهذا يتطلب استبدال "مقاومة" الفكر السلفي "على أرضيته" بدل إقصائه طِبق مبررات غير علمية مثلما حصل إلى حدّ الآن (اقتبسنا العبارات المكتوبة بين معقفين من عند الأستاذ محمد الطالبي والواردة في مقاله الممتاز "الشريعة هي المشكل والحل في إلغائها"، نشر بـ"المغرب" بتاريخ 7-10-2012، ص5). و أول سؤال يتبادر للذهن من هذا المنظور هو: هل الدين صار مسألة شخصية إلى درجة أنّ حتى الثورة لا تقبل التعبير عن الآثار الطيبة للإيمان، ولو كانت تلك الآثار تُسجَّل بالضرورة في المجال السياسي؟

إنّ إيجاد أجوبة ضافية عن هذا السؤال تستوجب الاعتراف بوجود خلل في كيفية التعامل مع المسألة الدينية. ويتجلى الخلل إجمالا في عدم استطاعة العقل المجتمعي توظيف الدين كعامل توحيد، وبالتالي عدم استطاعته أن يحُول دون أن يُستغَلّ الدين للتفريق بين مختلف الحساسيات والأطياف المذهبية والسياسية. وبالرغم من أنّ الحركات الإسلامية قد فازت في الانتخابات إلا أنها فشلت (مَثلها مَثل الأحزاب العلمانية) في تعبئة شرائح المجتمع العربي المسلم بنفس الكثافة والإجماع والقيمة التي يقدر الإسلام وحده على تعبئتها. كما أنّ كل الأحزاب والحركات باتت فاشلة في تصوّر بناءٍ لمجتمع ملتزم لكنه عصري أي فاعل في التاريخ. وفي ضوء هاتين المعاينتين قد يكون الوقت حان للتذكير بأنّ حياة المسلم تكون ناجحة لمّا يستلهم المسلم دوافع التفكير والعمل والسلوك من تجربة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، لا أن يستنسخها منه عليه السلام. إنه قدوة المسلمين ومرجعيتهم المسندة بالقرآن الكريم، لا نموذجا للاستنساخ. بهذه الطريقة تكون حياة المسلم امتدادًا للإسلام المصدري ولحياة السلف وتجديدا له، أي عودةً إلى الينابيع الإسلامية لكن بنظرة جديدة و بأساليب حديثة. وهذا يتطلب اتخاذ موقف تاريخي يتلخص في ما يلي: الإسلام وراءنا إذا اعتبرنا تجربة الرسول الكريم التجسيد الوحيد الذي يجدر تسميته بالحقيقي للدين الحنيف؛ والإسلام أمامنا إذا اعتبرنا المستقبل تطبيقا له، نتوق إليه ونضطلع بتحقيقه؛ وسيتبين أنّ الإسلام فينا ومعنا آنيا إذا كنا قادرين على التمركز التاريخي على تلك الشاكلة.

للأسف لمّا حدثت ثورة 17 ديسمبر-14 جانفي لم نكن، كمجتمع مسلم، متمركزين هكذا. ثم عُقدت انتخابات دون أن يُسجَّل أيّ توجه نحو الموقف التاريخي الضروري. هكذا تكون الثورة قد مكنتنا من وضع قدم واحدة في مسار التاريخ بينما بقيت القدم الثانية عالقة في الفضاء. وستبقى في هذا الوضع، وضع الزلة، ما لم نتصالح مع التاريخ. والمصالحة تتطلب الاعتراف بالعامل الديني كمعطى تاريخي أي داخلٍ في الثورة لا خارجٍ عنها. لكن هذا الشرط يرتطم بعقلية راسخة بفضل إجماع (خطير) مفاده أنّ الإسلام لم يكن له دخلٌ قطّ في الثورة. وهذه المغالطة الذاتية تتأكد من خلال معاينة الإقرار بأنّ "الثورة قد حصلت بغير شعارات، لا دينية ولا اشتراكية ولا قومية ولا غيرها ". ومن هنا نأتي إلى واجهة أخرى كانت تفتقر إلى التأصيل التاريخي، ألا وهي الاستحقاق الانتخابي. وهي الواجهة التي نرى فيها المجتمع (الضيق؛ النخبوي؛ العلماني المتطرف؛ المنقوص من الأغلبية الصامتة) يضع ثقته التامة في صندوق الاقتراع، الذي سيسفر حسب ظنه، عن نتائج تعكس تاريخ البلاد وانفتاح أهلها واعتدال تديّنها. لكن يبدو أنّ المغالطة الذاتية انطلت على العلمانيين المتطرفين ولم تنطلِ على إسلاميي حزب النهضة، مما حدا بهذا الحزب أن يستغل الفرصة. فكان مجرد الإقرار بأنها ثورة خالية من الشعارات فرصة سانحة له كي يستأثر برأي الأغلبية ممن صوتوا فعليا (وهي أغلبية نسبية). وبالمحصلة أخذ الحزب الديني لا فقط نصيبه من الإسلام، إن صح التعبير، وإنما أيضا نصيب غيره المتخلي (الأغلبية الصامتة). وهنا تكمن المشكلة. إذ إنّ التمتع بنصيبٍ شرعي وبنصيب فائضٍ في الآن ذاته يخلق الوصاية على الآخر الذي افتُكّ منه نصيبُه. وهو ما سمي إعلاميا بـ"ركوب الإسلاميين على الثورة".

وقوفا عند هذا المستوى، نستنتج ما يلي:

 أ. أنّ "الأغلبية الصامتة" التي لم تشارك في الانتخابات تمثل شريحة حكيمة بقدر ما هي غير مسؤولة ومتخاذلة. إذ إنها من جهة توجست خيفة من الانسياق إلى أحد القطبين، الإسلامي والعلماني المتطرف، ومن جهة أخرى فرطت في "نصيبها من الإسلام" لفائدة حزب حركة النهضة (وللسلفيين الذين سيظهرون فيما بعد). أي أنها كانت من الأول قابلة لقوانين الوصاية التي ستمارس عليها.

 ب. أنّ مجتمع النخبة (العلمانية واليسارية) كان يبحث عن الحلول السهلة. ومن بين هذه الحلول لجوءه إلى صندوق الاقتراع على أمل أن يكون هذا الأخير هو الفيصل في إقصاء الإسلاميين بما معناه أنّ الصندوق سيثبت أنّ الإسلام السياسي ليس له مكان في مجتمع مسلم. بينما النتيجة كانت معاكسة تماما لِما يتمناه مجتمع النخبة، وكان الفوز للإسلاميين.

ج. إن فوز حزب حركة النهضة الإسلامي في مرحلة أولى ثم نكوصه شيئا فشيئا إلى الوراء في مرحلة ثانية (الآن)  دليل على أنّ صندوق الاقتراع ، لئن هو الفيصل مبدئيا في السماح بالإدلاء بالأصوات في كل عملية انتخابية ديمقراطية، فليس هو الفيصل (ولم يكن هو الفيصل) في تحديد طبيعة المشكلات المتعلقة بالمسألة الدينية في مجتمع متحِد تاريخيا حول الإسلام. بكلام آخر، لقد أجريَ الاستحقاق الانتخابي كأول تجربة ديمقراطية في البلاد والحال أنّ المشكلات المؤثرة في التوجهات الكبرى (وفي الأحزاب وفي البرامج السياسية وفي اختيارات الناخبين)، ومن أهمّها تلك المتعلقة بالدين وبمكانته، بقيت عالقة. وإذا بقيت عالقة يبقى الوفاق السياسي غائبا والفرز الإيديولوجي سائدا، مثلما هو الحال الآن.

 من هنا نتخلص إلى الإقرار بأنّ "ركوب" الإسلام السياسي على الثورة (في تونس وفي مصر وفي ليبيا وأينما وقعت وستقع الثورة) برهان على ضرورة ضم الدين إلى المسار التاريخي للثورة. ذلك أنّه كان "ركوبا" اضطراريا في انتظار أن يصير تأصيلا اختياريا. وهو كالسراب يحسبه الظمآن ماءً، لأنّ رموزه يبثون خطابا فُصاميا، لكأنّهم يقولون للمسلم: "أنت لم تكن مسلما أبدا، ولست مسلما الآن، لكن ستكون مسلما طالما أنك تأتمر بأوامر أناس طيبين مثلنا". وهذه هي الوضعية التي نرى فيها قدَما واحدة، دون الثانية، راسخة في الأرض. بينما يكون التصحيح التاريخي بالقول: "كنتَ مسلما، وأنت الآن مسلم طبعا، لذا كن مستقبلا أفضل مما كنت ومما أنت الآن". ولكي يتم تصحيح الثورة وتثبت القدمين الاثنتين على اليابسة لا بدّ على العقل المجتمعي أن يستبطن الحقيقة التالية: كنا مسلمين قبل الثورة فليس هنالك داعيا لا للركوب عليها باسم الإسلام (كما حدث اضطراريا) ولا للتنصل من الإسلام، إما على خلفية الخشية من أن يركب عليها فرقاء سياسيون باسم الدين وإما، في الصورة المعاكسة، بواسطة الإقصاء المتعمد للدين بدعوى الطبيعة العلمانية للثورة. إذا تخطينا هذه العقبة، عقبة التمركز التاريخي، ستأتي تدريجيا الأجوبة المتعلقة بالسؤال المحوري "هل يُمزج الدين بالسياسة أم يُفصل؟" وسيكون ذلك من دون هوَس، نظرا لأنّ السؤال بحد ذاته مؤشر على علل بليغة كامنة في المجتمع تتعلق بالموقف التاريخي الخاطئ، أكثر من كونه معبّرا عن العلة نفسها. فتصحيح مشكلة الموقف التاريخي ستكون نقضا لذلك السؤال من أساسه.

كما نتخلص إلى التشديد على أنّ التجربة الإسلامية (الحضارية والثقافية والإيمانية)، التي هي سابقة للثورة، لم يبق سوى أن تُستقرأ كقانون أنسني وناموس تاريخي لشعب تونس بل للأمة العربية الإسلامية، لا أن تُستبعد كما يريد العلمانيون المتطرفون، ولا أن تُستبدل بأخرى ابتداءً من نقطة الصفر الواهية، كما يريد الإسلاميون. إنّ النقطة الصفر الأصح هي تلك التي تطلق العنان للمخيال السياسي كي يبحث عن البديل عن السلفية. وهي النقطة التي يتلاقى عندها الماضي والحاضر والمستقبل في الوعي في الآن ذاته.

بالنهاية لئن لا يعني الإقرار بتاريخية الإسلام الابتعاد عن إنجازات السلف (وهي التي وراءنا)، ولا عن مقاصد الإسلام (وهي التي أمامنا) ولا عن مضمونه (الذي هو في كل زمان ومكان)، فتبقى الطريق إلى التحرر التام طويلة وشاقة لأنّ بعد تصحيح الموقف التاريخي واستشراف الإستراتيجية الإرشادية الحديثة سيأتي حتما دور تفصيل المنهاج وتصريف الخطاب وتحرير الرسالة المعاصرة للمسلمين. للتلخيص، هل يُمزج الدين بالساسة أم يُفصل عنها؟ أعتقد أنه لا ينبغي أن نبقى عالقين بإجابة جاهزة عن هذا السؤال لأنّ طرح السؤال يدل على عدم استعداد المجتمع لاستبطان فكرة التنوير، ناهيك أن يعي بأنّ العمل المطلوب إنجازه يهدف إلى محو كافة المشكلات المغلوطة وما يتعلق بها من حلول ظرفية لا تصلح إلا كمسكنات. فهل النخبة التربوية جاهزة لأداء دورها الإرشادي وهل المجتمع مستعد لاسترشاد؟ 

محمد الحمّار

Publicité
Publicité
Commentaires
Publicité