Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
Publicité
Archives
Derniers commentaires
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
الإسلام والعصر/New Epoch Islam
2 décembre 2012

ما معنى أن تكون لنا وزارة للغة؟

 ما معنى أن تكون لنا وزارة للغة؟

في تونس وفي بلدان "الربيع العربي" أسفر الواقع المتردّي في المجالين اللغوي والديني (أو التديّني) عن تشابك رهيب بين هاذين البعدين، مما انتهى إلى دمجهما معا وبالتالي إلى بروز مشكلة مزدوجة تتسم بالاستعصاء. لقد أصبحت مشكلة قائمة بذاتها تؤثر في الحياة العمومية وفي السياسة على الأخص. وقد انجرت عنها ظواهر خطيرة نعيشها اليوم مثل العنف السياسي و السلفية والانفلاتات بجميع أنواعها بما فيها الانفلات الديني والانفلات اللغوي.

 فالمشكلات السياسية (المختزلة في تلكم الظواهر الخطيرة) الناجمة عن المشكلة التواصلية (اللغوية/الدينية)، من بين أصول أخرى، أدركت درجة عالية من الاستعصاء هي الأخرى، مما جعلها تتجاوز كل السلطات التنفيذية التقليدية مثل وزارات التربية والتعليم العالي والشؤون الدينية والثقافة وغيرها، وبالتالي جعلها تنحصر في بؤرة اسمها الحل الأمني والمتجسد في المؤسسة الأمنية أي في وزارتي الداخلية والدفاع الوطني. ومع ذلك  فالمجتمع السياسي من سلطة ومعارضة وأحزاب، وأيضا المجتمع المدني، لا يعيران لب المشكلة السياسية، أي الجذر اللغوي/الديني، الأهمية التي يستحق. فكيف تسمح النخب السياسية والفكرية لنفسها  بتجاهل صفارات الإنذار التي يطلقها المنكبّون على المسألة، وفي الوقت ذاته يندهشون من تنامي الظواهر الخطيرة؟

 وللارتقاء بالمسألة إلى مستويات تخول للمجتمع بأسره البحث عن الحلول واتخاذ التدابير اللازمة لتجاوز الوضع المتأزم، وتخول للسياسيين ضرب المفارقة التي تكبلهم وتحرمهم من التفرغ لإسعاد العباد ولتطوير البلاد، ارتأينا أن نقترح إحداث "وزارة الشؤون اللغوية" (مقالنا الأول الذي كتبناه في هذا الغرض منشور على الانترنت وفي جريدة الصباح بتاريخ 2-12-2012 ص10). فما معنى أن تكون لنا وزارة للغة؟

إنّ معنى ذلك هو أنّ للغة سلطة لم يتفطن لها السياسيون. وحتى لو تفطنوا لها لمَا قدروا على تملك هذه السلطة ليمارسوها بما ينفع البلاد والعباد. فالسياسيون في معظمهم يستعملون السلاح اللغوي الفتاك لكنهم يفعلون ذلك لغايات عادة ما تكون مريبة ومشبوهة ومثيرة للجدل إن لم نقل خسيسة مثل التملق للشعب ولجمهور الناخبين الافتراضيين أو الفتك بخصومهم أو ممارسة المماطلة و التسويف إزاء قضاياهم الساخنة والمستعجلة مثل قضية تحرير الدستور وتعيين تاريخ الانتخابات القادمة والعدالة الانتقالية وتطهير المؤسسات من الفساد. وليس من باب الصدفة أن عُرفت لغة السياسيين بـ"اللغة الخشبية" والحمالة لأوجه والمزدوجة وما إلى ذلك من الأوصاف السالبة.

أما التوظيف الإيجابي لسلطة اللغة كما نراه فيهدف أولا وبالذات إلى وقاية عامة الشعب من اللغة الخشبية للسياسيين. وهذا يفترض تحويل الشعب، بما أنه سيصبح متملكا للغة ولسلطتها، من رعاعٍ تابعٍ لقادة يأمرونه وينهونه حسب أهوائهم ومصالحهم إلى كتلة فاعلة مؤثرة في النخبة السياسية بل ومحاسبة لها.

وسلطة اللغة، ككل سلطة، وإن اعترفنا أنّ لها سلطة، تستدعي هيكلا تنفيذيا. في هذا الخصوص نعتقد من جهة أنه لم يكن أبدا للهياكل التقليدية التي تعنى باللغة في تونس وفي البلاد العربية من الصنف المذكور أنفا أية فاعلية تذكر في الارتقاء باللغة من مرحلة الأداة إلى مكانة الفكر، ناهيك أن تحوّلها إلى سلطة تنفيذية لها كلمتها في المشكلات السياسية المتنوعة. كما نعتقد من جهة أخرى أنّ الهيئات العلمية والثقافية المتمثلة في مجامع اللغة والجمعيات الألسنية و الفرق المسرحية والسينمائية وغيرها ممن تشتغل أساسا بواسطة اللغة وتسعى إلى حسن توظيفها وتطويرها لم تفلح إلا قليلا في الرفع من الشأن اللغوي، ومنه في الشأن السياسي. والسبب في ذلك يتلخص في حصر الشأن الثقافي عموما واللغوي خصوصا في بوتقة لا تتصل بمجال الفعل السياسي والقرار السياسي، لا بصفة مباشرة ولا بصفة غير مباشرة.

إنّ الرفع من الشأن اللغوي انعكاس على الأداء السياسي أو لا يكون. فاللغة العربية كانت على مر العصور وعلى الأخص منذ نزول القرآن الكريم، بمعية الدين الحنيف، هي القاطرة التي تجر ركب التقدم العلمي والرقي المعرفي عند العرب والمسلمين. وينبغي القيام ببحوث خصوصية لاستقراء المبادئ التي ارتكز عليها أجدادنا حتى كوّنوا من لغة القرآن تلك السلطة التي كانت تحكم بأحكامها في مجالات الحياة كافة. وفي هذا الصدد لا يكفي التباهي بأنّ لغة الضاد هي لغة كلام الله حتى نعيد لها بريقها ونوظفها في خدمة الصالح العام. إنما المطلوب هو إيضاح علاقتها، بوصفها لغة القرآن وكذلك بوصفها لغة العرب، بالدين والتديّن. وهذه مأمورية ذات طبيعة علمية صرفة لا يمكن أن توكل لعلماء الدين دون سواهم ولا للأدباء والألسنيين دون سواهم.

فإذا الدراسات أنجِزت والبحوث تمّت بما يكفي لإثبات العلاقة اللصيقة والمتينة بين اللغة العربية، بل بين اللغة عموما، والدين الإسلامي، وبما يشدد على البُعد السلطوي للغة، لم يبق سوى ابتداع الإطار الضروري الذي سيسمح لمجتمعاتنا العربية الإسلامية بتوظيف السلطة اللغوية لتغيير ما بالنفس حتى يغير الله ما بالقوم والأمة. ونعتقد أنّ هذا البعد السلطوي للغة، وهو بُعدٌ تحرري لا تسلطي، هو الذي يرشح هذه الأخيرة بأن تتمتع بمرتبة المركز مقارنة مع كل نشاطات الحياة المنظمة.

إنّ صفة المركزية هذه في حياتنا كعرب ذوي أغلبية مسلمة ليست غريبة عن اللغة العربية، لا تاريخيا ولا نظريا، مثلما رأينا. وبالتالي يتوجب اليوم تلبية الحاجة الطبيعية لهذه اللغة وذلك بتزويدها بالمكونات الضرورية التي تثبتها في وضعها، الجديد والمتجدد، كمركز في مجال القرار السياسي. بهذا المعنى تكون وزارة اللغة هي الهيكل الأمثل الذي يحتضن اللغة فيوفر لها الشروط الموضوعية لتلعب دورها الطبيعي وتضطلع بوظيفتها كسلطة قرار. وتكون هذه الوزارة المستحدثة بالتالي أمّ الوزارات كلها.

ومن أهم الصلاحيات المستقبلية لوزارة اللغة نذكر ما يلي: التكييف العلمي لكل أصناف الخطاب، إن الديني من باب أولى وأحرى أم العلمي أم الفني أم الأدبي والشعري أم الرياضي أم الشعبي. من هذا المنظور يخول لهذه الوزارة تحديد البرامج التعليمية في كل المواد، علمية كانت أم أدبية أم اجتماعية أم إنسانية. ويتم ذلك عبر التشارك والتنسيق مع وزارات الإشراف التقليدية مثل وزارتي التربية والتعليم العالي. كما يخول لوزارة اللغة الإشراف على البرامج الثقافية والإعلامية، السمعية والبصرية والمكتوبة تبعا للرؤية التحررية التي تسمح بها المستجدات في مجال فلسفة اللغة وعلم الألسنيات وما اتصل بهما من علوم أخرى وبالخصوص في مجال ترجمة التدين إلى لغة وسلوك.

 أخيرا وليس آخرا، وفضلا عن تعاملها مع وزارات السيادة الثقافية والهوياتية، ستكون وزارة اللغة قادرة أيضا على التفاعل ولو بصفة غير مباشرة مع سائر الوزارات، إشرافا وتوجيها وتشاركا، وبنفس الرصيد الفلسفي والوظيفي والتواصلي الذي تمارس بفضله صلاحياتها إزاء الوزارات الأصلية.

محمد الحمّار

Publicité
Publicité
Commentaires
Publicité